بشاره غانم البون - باريس
"آخر النبلاء...آخر الحكماء...آخر الفقهاء...آخر العقلاء...أخر الوسطاء..."، تعددت الأوصاف و تجمعت الصفات وتسابقت الاشادات وكلها التقت على شخص واحد.
لا عجب فتجربة ابن الثمانين الغنية والمميزة اعلامياً، ثقافياً، فكرياً، سياسياً، حواريا ودينياً...جعلت منه: مستشاراً لكل العهود من دون ان يكون رجل احدها، منفتحاً على كل الاحزاب من دون ان يكون منضوياً تحت راية احدها، قريب من كل العائلات من دون ان يكون منتمياً الى احداها، صديق لكل العرب من دون ان يكون محسوباً على اي منهم.
أكثر من مستشار، أكثر من نائب، أكثر من وزير وحتى اكثر من ...رئيس ! جمع كل الألقاب بل تعداها...
كان في الوقت نفسه قامة مارونية، مرجعية لبنانية وهامة عربية. كان من قماشة شمالية أصيلة مطرزة بلبنانية وحدوية صميمة و مزينة بقومية عربية متجذرة.
كان قوة هادئة وناشطة وفاعلة وكاسرة للحواجز وبانية للجسور، يستعين بأسلحة الحوار والفكر والاعتدال والمنطق والايمان العميق ويستخدمها في مواجهة "الدمار الشامل" القائم على الحقد والكراهية والتعصب والانعزال ومن خلال "تخصيب" التقارب والتلاقي والتفاعل والتفاهم.
خصال ورثها من الزمن الغابر تميزت بسعة افق وعمق فكر، لباقة ورصانة، شهامة وعزة، عراقة وبلاغة، تواضع وانفة، وفاء ومودة.
تاريخ في رجل ورجل من تاريخ، سكن جغرافية الوطن ولم يتقوقع في زواياها، حفظ الانجيل والقرآن وغاص في تعاليمهما من دون تزمت.
ملفت وجميل هذا الاجماع من أهل الحكم والسلطة والسياسة في صياغة مطولات التقدير والتكريم، لكن الاجمل والاصدق والاجدى لو اكتفى هؤلاء، رغم صدق عاطفة بعضهم، بكتابة اسم "جان عبيد" بلا مقدمات ولا القاب على ورقة صغيرة واسقاطها في تلك الصندوقة الصغيرة ومن ثم ارسالها في بريد مضمون من ساحة النجمة الى بعبدا.
ولكن نظراُ لتلكوء وتقصير من هم على الأرض، اراد الذي في السماء ان بستدعي الى جواره، وفي صندوق كبير يعبق برائحة الأرز الخالد، ذلك الذي توقعت له يوماُ سيدة مصرية تقرأ في الغيب ان يكون "ذا شأن عظيم"، ليضعه في عداد الصديقين مع عظماء لم ينصفهم بنو قومهم فأنصفتهم عدالة رب العالمين.