تمضي الأزمة الحكومية في طريقها الوعِر وسطَ غياب أي مؤشّر لانفراجة قريبة. حتى اللقاء الذي جمع الرئيس المُكلف سعد الحريري بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم تستبشِر القوى السياسية به خيراً، ذلِك أن العِقد الداخلية تنسف مفاعيل أي حركة خارجية.
للمرة الأولى منذُ تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف الحكومة قبلَ أربعة أشهر، تُظهر المؤشرات المتقاطعة أن مفاعيل أي مبادرة خارجية محكومة بالفشل ما دامت العِقد الداخلية على حالِها. فالضجيج الذي أحدثته زيارة الحريري لباريس، واجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مأدبة عشاء في قصر الإليزيه كشفَ استعصاء الأزمة الحكومية على أي حلّ وشيك، وخاصة أن أجواء ضياع حقيقية سادت حيال فحوى الزيارة، في وقت لا تزال فيه القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة، وخاصّة فريق رئيس الجمهورية، تؤكّد أن «حكومة لبنان تؤلّف في لبنان، لا في باريس ولا غيرها».
حتى الساعات الأخيرة من مساء أمس، لم تكُن أي من القوى السياسية على بيّنة مِن النقاش الذي حصلَ بينَ ماكرون والحريري. لكن الأجواء العامة، بحسب ما أكد أكثر من مصدر سياسي، توحي بأن «الفرنسيين لم يقدموا مبادرة جديدة، وأن الحريري الذي عاد ليلاً إلى بيروت لم يحمِل معه ما يُمكن التعويل عليه في ملف الحكومة». فهو قبل عودته، سرّب للبعض بأن «ماكرون كانَ ودوداً جداً معه وأنه يؤيّد موقفه لجهة رفضه حصول أي من الأطراف على الثلث المعطّل داخل الحكومة، كما يلاقي إصراره على حكومة من 18 وزيراً لا عشرين». على أن هذه الإيجابية التي ادعاها الحريري، للإيحاء بوقوف الفرنسيين إلى جانبه، قابلها الكثير مِن علامات الاستفهام عند الأفرقاء السياسيين الذين سجلوا بعض النقاط للتشكيك بهذا الجو، وعددتها المصادر على الشكل الآتي:
أولاً، لم يصدُر من باريس أو عن قصر الرئاسة الفرنسية أي بيان رسمي يتناول فيه اللقاء بين ماكرون والحريري، كما لم تُسرّب أي صورة لهما معاً.
ثانياً، لم تُسرّب أي معلومة جدّية من فريق الرئيس الحريري، وهو ما اعتبرته المصادر دليلاً على عدم وجود تقدّم في الملف.
وثالثاً وأخيراً، لم يتبلّغ لبنان إلغاء الزيارة المُزمعة لمستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل إلى لبنان، بعدما سبق وأشارت إليها وسائل إعلام فرنسية.
هذه النقاط مجتمعة، فسرتها المصادر بأن «باريس لا تريد أن تعطي إشارة بأنها تقف ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، معتبرة أن «الفرنسيين يتمسكون بمبادرتهم، لكنهم يعرفون حقّ المعرفة بأن لا أمل بنجاحها من خلال تغليب طرف على آخر». وتشير المصادر إلى أن «باريس لم تعُد تدخل في التفاصيل كما يقال، لجهة تدخلها بالأسماء أو توزيع الحقائب، بعدما سمع دوريل في زيارته السابقة خلال لقائه مع عون بأن ذلك غير مقبول، لذا هي تريد إنجاح المبادرة من خلال تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وذلك على قاعدة التوفيق بين مصالحها ومصلحة لبنان»، وهي باتت مقتنعة بأن «ما يجِب إنقاذه هو لبنان وأن مبادرتها هي وسيلة للإنقاذ».
وبينما جرى التداول بمعلومات عن اتصالات ستجريها باريس مع الرئيس عون، أكدت مصادر الأخير أن «بعبدا لم تتلقّ أي اتصال حتى الآن، ونحن بانتظار الخطوات التي سيقوم بها الحريري لاحقاً».
فيما اعتبرت أوساط سياسية أن مشكلة الحريري الأساسية تتمثل في عاملين أساسيين هما: «عدم وضوح الموقف السعودي من الأزمة. وأن هذا الأمر يشكّل العائق الأكبر لدى الرئيس المكلف الذي لن يستطيع تأليف حكومة من دون مباركتها، أياً كانت الجهة التي تدعمه». ومن ثم، وهو الأهم، موقف رئيس الجمهورية ورئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل. ففي أحسن الأحوال، حتى لو تجاوزت الرياض كل التطورات الإقليمية والتصعيد في المنطقة ولا سيما في اليمن، وأعطت الضوء الأخضر للحريري للسير في تأليف حكومة يُشارِك فيها حزب الله، فإنه لن ينجَح في ذلك، ما دام مصمماً على تجاهل مكوّن أساسي في المعادلة اللبنانية وهو الوزير باسيل، والالتفاف على الحق الدستوري لرئيس الجمهورية الذي يؤكّد بأنه شريك في التأليف.