محمد بلوط- الديار
يكاد المشهد اللبناني يكون مختلفا ومعاكسا للمشهد الدولي الذي اخذ بالتبدل التدريجي بعد رحيل ترامب ومجيء الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن.
ويكاد لبنان بسبب سياسة «المتراس» بين الرئيسين عون والحريري في عملية تشكيل الحكومة يفرط باللحظة الدولية المناسبة للتأليف ويغور عميقا في ازمته حتى الانهيار الكامل.
تناقض كبير بين استمرار « دوّيخة » الحكومة في لبنان وما يجري على الساحة الدولية والاقليمية من تطورات تؤشر الى متغيرات باتجاه الحلول في مناطق وبلدان عديدة . فها هي ليبيا رغم التعقيدات والتداخلات الكبيرة توضع على سكة الحل بعد انتخاب مجلسها ورئيس حكومتها الانتقالية برعاية دولية وبفعل التوافق والتنسيق الاميركي الاوروبي الذي سيكون عنوان المرحلة في عهد بايدن. وها هي اليمن تلتمس ضوء التهدئة ووقف الحرب بقرار صريح وواضح من ادارة بايدن بان لا دعم عسكريا للتحالف الذي تقوده السعودية لوقف الحرب ، ولا تصنيف للحوثيين بانهم ارهابيون لاستئناف العملية السلمية للافراج عن المساعدات للشعب اليمني وان كانت هذه الخطوة هي تمهيدية لمسيرة شاقة من المفاوضات الاقليمية والدولية.
وها هو الملف الايراني يبدأ بالتحرك على قاعدة العودة للاتفاق النووي الذي نسفه والغاه ترامب وفي ظل عملية جس نبض تمهيدية بين واشنطن وطهران.
وفي ظل المشهد الدولي المتحرك برز مؤخرا البيان الفرنسي - الاميركي المشترك المتعلق بلبنان وتشديده على انجاز التحقيق بانفجار المرفأ وتشكيل حكومة جديدة ذات « مصداقية» دون ان يتطرق الى شروط او تفاصيل.
ويجمع المراقبون على ان البيان بعد الاتصال بين الرئيسين ماكرون وبايدن الذي تطرق الى الملف اللبناني، يؤشر بوضوح الى توافق بين الدولتين على دعم المبادرة الفرنسية ودفعها الى الامام في التحرك المتجدد .ويرون ان ما يحصل من تنشيط لهذه المبادرة قبل تحديد موعد زيارة ماكرون المرتقبة لبيروت يعكس اشارات ايجابية واضحة يمكن البناء عليها للتفاؤل بتعزيز الضغوط لتسريع تشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق قال مصدر سياسي بارز للديار امس ان الاجواء التفاؤلية التي تسود مؤخرا مبنية على المواقف والحراك الخارجي ، لكنها لا تعكس الاجواء الداخلية التي لم يطرأ عليها بعد اي تغيير بسبب استمرار الخلاف بين الرئيسين عون والحريري والذي يفاقمه ايضا التوتر والقطيعة بين المستقبل والتيار الوطني الحر.
واوضح المصدر انه على الرغم من تراجع التراشق الناري بين بعبدا وبيت الوسط فان الاجواء لم تتبدل بين الطرفين ، مشيرا في هذا المجال الى بيان المجلس السياسي للتيار الوطني الحر امس الذي دعا الحريري الى «استخلاص العبر ومراجعة الاسس التي ينطلق منها في عملية تشكيل الحكومة بما ينتج حكومة قادرة بتوازناتها ووزرائها المتخصصين والقادرين... والى التزام روح الميثاق ونص الدستور في احترام موقع رئيس الجمهورية ودوره والتوقف عن محاولة قضم الصلاحيات وضرب الشراكة وعودة المحاولة لوضع اليد على حقوق الذين اختاروا من يمثلهم وفقا لقواعد الدستور والميثاق».
وفي المقابل اكدت مصادر في تيار المستقبل للديار على ان الكرة هي عند رئيس الجمهورية بعد ان قدم الرئيس الحريري له التشكيلة الحكومية الكاملة وفق الاصول والمبادرة الفرنسية ايضا، وهذه التشكيلة لا تزال محتجزة في بعبدا.
ورفضت المصادر بشدة تحميل الرئيس المكلف اية مسؤولية في ما نشهده على صعيد موضوع الحكومة، متهمة الطرف الآخر بالتعطيل المتعمد وبمحاولة اللعب احيانا على الوتر الطائفي بحجة الدفاع عن حقوق المسيحين لحسابات شعبوية لا تتصل بواقع موضوع الحكومة او بالحقيقة.
الحريري في باريس
وفي اطار التحرك الخارجي الناشط للرئيس الحريري علمت الديار من مصادر موثوقة انه انتقل مساء اول امس الى باريس وان جدول زيارته يشمل لقاء الرئيس ماكرون وكبار المسؤولين الفرنسيين المتابعين للملف اللبناني .
وكشفت المصادر عن اجواء تفيد بانه خلال وجود الحريري في فرنسا ستجري اتصالات على ارفع مستوى مع بيروت تشمل الرئيسين عون وبري وقيادات سياسية اخرى منها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في اطار محاولة حلحلة الوضع الحكومي ومعالجة نقاط الخلاف التي تحول دون تشكيل الحكومة.
واضافت المصادر انه في حال نجحت هذه الاتصالات فان لقاء مرتقبا سيحصل في بعبدا بين الرئيسين عون والحريري بعد عودة الثاني الى لبنان لاستكمال بلورة التشكيلة الحكومية الجديدة، لكنها لفتت الى ان ذلك مرهون على معالجة نقاط الخلاف بين الطرفين خلال هذه الاتصالات المتوقعة.
المشهد الداخلي وترقب الخارج
وفيما يعول على التحرك الخارجي وما بدأته ادارة الرئيس ماكرون مؤخرا يسود جو من الترقب على الساحة الداخلية ، وتبرز معطيات عديدة ابرزها :
1- مبادرة الرئيس بري الاخيرة التي اكد انها ما زالت على الطاولة ، مكررا الدعوة للرئيسين عون والحريري الى الحوار والتفاهم حول الحكومة، ومشددا ايضا على ان المشكلة داخلية وليست خارجية.
وقالت مصادر مطلعة ان رئيس المجلس يتابع بدقة وهو منخرط في السعي الى الاسراع بمعالجة الخلافات على اساس ما اعلنه في بيانه مؤخرا ، وانه كما عبر في البيان لن ييأس وسيتابع مسعاه .
2- يسود جو ملبد في العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط ، ويبدو ان كل جهة تحرص على ان تبادر الجهة الاخرى ما يعزز الاعتقاد بان هناك حاجة للتركيز على تقديم تنازلات متبادلة قبل تحديد موعد اللقاء بين الرجلين.
وصار معلوما ان عون يطالب بتسمية 6 وزراء مسيحيين من دون الوزير الارمني الذي تعتبر اوساط بعبدا انه خارج دائرة احتسابه من حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. بينما يتمسك الحريري برفض اعطاء الثلث المعطل لاي طرف وبمعارضة تسمية اي حزبي او تابع مباشرة لحزب او جهة سياسية ، مع موافقته على اختيار 5 وزراء مسيحيين يسميهم رئيس الجمهورية غبر الوزير الارمني.
كما يتمحور الخلاف على تسمية وزيري العدل والداخلية حيث يريد الحريري تسميتهما بينما يطالب عون بتسميتهما او على الاقل بتسمية وزير الداخلية .
وتقول المعلومات ان الجهود تتركز على مخرج لهذا الخلاف وعلى توافق الرئيسين على الاسمين او على الاقل على اسم وزير الداخلية .
3- يبرز موقف حزب الله الذي جدده نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في حديثه لاذاعة النور ودعوته لاستئناف الحوار المباشر بين عون والحريري وتدوير الزوايا في موضوع الوزارتين وتسمية الوزراء المسيحيين.