راكيل عتيّق
يواصل الفرنسيون تحرّكهم على صعيد الملف الحكومي اللبناني، في انتظار الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، بحيث سيحمل بين يديه تسويات لإنجاز التأليف، لأنّه يريد حكومة بأيّ ثمن، وفق ما تؤكد مصادر ديبلوماسية، التي توضح أنّ ماكرون سيأتي هذه المرة ومن ورائه المدفعية الأميركية الثقيلة، وإذا لم تَصلُح سياسة الجزرة فإنّ عصا العقوبات ستكون حاضرة.
تشير مصادر ديبلوماسية مطلعة على الشؤون الأميركية الى أنه «لا توجد حركة قوية أميركية بالنسبة الى لبنان، فالأميركيين مشغولون بأنفسهم، وبانتقال السلطة وترتيب أوضاعهم».
وتؤكد أنّ الكلام عن أنّه «طالما «حزب الله» موجود فإنّ واشنطن لن تتعاطى مع لبنان، غير صحيح، فواشنطن منذ سنوات تتعامل مع لبنان وتدعم الجيش وترسل مساعدات إنسانية في ظلّ وجود «حزب الله» في الحكومة. أمّا هَمّها فهو ألّا يكون «حزب الله» مسيطراً على الحكومة وله الكلمة الأخيرة أي «الآمر الناهي»، وألّا يقدر على استخدام الحكومة لتبييض الأموال والتحايل أو الاستدارة على العقوبات الأميركية، لا سيما منها المالية. وترى أنّ «حزب الله» يقبل الآن بحكومة بالشروط الأميركية هذه».
وإذ تشير الى أنّه «يجب انتظار ما سيحمله ماكرون بين يديه حين يأتي الى لبنان»، تؤكد أنّه «سيأتي ومن ورائه المدفعية الأميركية، فهو رأس الحربة لكنّ المدفعية الأميركية الثقيلة وراءه». وتوضح أن «لا خلاف بين الأميركيين والفرنسيين حكومياً، وقد يكون هناك اختلاف تكتيكي فقط على حجم تمثيل «حزب الله»، لكنّ المبادرة الفرنسية هي فرنسية - أميركية فعليّاً، فالأميركيين مهتمون بترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وألّا ينهار لبنان وتُجَرّ اسرائيل الى حرب لعدم التأثير في الاتفاقيات الثنائية التي تجري في المنطقة».
وعن ربط التأليف بالاستحقاقات الخارجية، تشير المصادر الديبلوماسية الى «أنّهم كانوا يقولون إنّ «حزب الله» ينتظر الانتخابات الأميركية، وهي حصلت. ثمّ قالوا إنّ التأليف ينتظر استلام بايدن ولقد باتَ الآن رئيساً رسمياً. أمّا الحديث عن المفاوضات الأميركية - الإيرانية فلن يبدأ قبل أشهر، وإنّ وصولها الى الحديث عن لبنان وتقسيم النفوذ بين واشنطن وطهران فيه قد يتطّلب سنة على أقلّ تقدير». لذلك، تستبعد المصادر نفسها أن يكون «حزب الله» في انتظار هذه المفاوضات، إذ إنّ البلد سينهار قبل حصولها، فهي قد تتطلّب 3 سنوات أو أكثر»، مذكّرةً بأنّ «الاتفاق النووي» تَطلّب الوصول إليه نحو 7 أعوام، وأي اتفاق جديد سيتطلّب بدوره سنوات. وتقول: «لا أعتقد أنّ هذا المَنحى يدخل في حسابات أي أحد ضَليع في السياسة».
أمّا أسباب عرقلة التأليف، فهي، بحسب هذه المصادر، أنّ «النظام بكامله في لبنان فاسد، ولا يُمكن القبول، في ظل هذا النظام الذي يعيش على الفساد والنهب والزبائنية، بحكومة مستقلين، إذ إنّ حكومة الاختصاصيين المستقلين التي يطالب ماكرون بتأليفها خطيرة على السياسيين، ليس لأنهّا توقِف «باب الرزق» من توظيفات ومحسوبيات فقط، بل لأنّها قد تفضح ملفات فساد قديمة. وإنّ المعنيين يريدون أقلّه الإمساك بالوزرارات التي لديهم فيها ملفات». وبالتالي، إنّ «المواجهة ليست سهلة»، بحسب المصادر نفسها، لأنّ الأميركيين والفرنسيين يواجهون حائطاً مدعّماً من الفساد والعلاقات والمصالح الحزبية والشخصية».
الى ذلك، ترى المصادر المطلعة أنّ خلاف رئيس الجمهورية العماد والرئيس المكلف هو عامل قوي مؤثّر في عملية التأليف، إذ إنّ عون الذي لم يكن موافقاً على «اتفاق الطائف» وما نَتج عنه من تعديلات دستورية، يحاول إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، ليس بتغيير الدستور إنّما بتغيير العُرف. في المقابل، يضغط فريق الحريري عليه لعدم التفريط بموقع رئاسة الحكومة. هذا إضافة الى الفساد والملفات الكثيرة، إذ إنّ «لا بلد في العالم يريد الخارج إنقاذه فيما يدافع الداخل عنه ولا يريد ذلك». وبالتالي، ترى المصادر إيّاها أنّه «ليس سهلاً على الفرنسيين والأميركيين تحقيق اختراق في هذا الحائط، خصوصاً أنّ لبنان ليس همّهم الأول والأخير، فلديهم همومهم الداخلية».
إنطلاقاً من ذلك، وبعد تَعثّر المبادرة الفرنسية التي ارتطمت بحائط المصالح هذا، سيأتي ماكرون هذه المرة بالسلاح الثقيل، وذلك قد يكون من خلال إحياء العقوبات مجدداً أو التهديد بها، بحسب المصادر المطلعة، التي تشير الى أنّ «العقوبات نجحت في فتح باب المفاوضات في موضوع ترسيم الحدود. إذ فجأةً أتت العقوبات الأولى على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بعدها «مشيت» المفاوضات في غضون 48 ساعة»، مؤكدةً أنّ «العقوبات هي السلاح الأساس للأميركيين الآن».
وتشير الى أنّ ماكرون طلبَ، بعد فرض عقوبات أميركية على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وَقفها لإفساح المجال للتفاوض، وهو يعرف تماماً المشكلات في لبنان. ويأتي هذه المرة مثل المرتين الماضيتين، لكن بموجةٍ أقوى ويحمل معه أسلحة لكي تتألف الحكومة بأيّ طريقة بنحوٍ مقبول، فلا يمكن أن يفشل رئيس فرنسا للمرة الثالثة على التوالي، خصوصاً أنّ الأميركيين أعلنوا على الملأ دَعمهم لهذه المبادرة، ويظهر أنّ الإيرانيين ليسوا ضد الأميركيين في هذه المسألة. وبالتالي، إنّ هناك عصا وليس جزرة فقط. وفي حين أنه من غير المؤكد أنّ ماكرون سيتمكن هذه المرة من اختراق الحائط اللبناني مئة في المئة، إلّا أنّه سيستمرّ في المحاولة، ولن يقول: «خَلص سأمشي»، إذ لا مصلحة للفرنسيين والأميركيين في انهيار لبنان، بحسب المصادر نفسها.
لذلك، ترى هذه المصادر أنّ الإصلاحات، التي يطالب بها الخارج بعد تأليف الحكومة شرطاً للدعم المالي الهيكلي، لن تكون في فتح الملفات القديمة وسجن المسؤولين، لأنّ هذا التدبير صعب، بل ستكون المفاوضات «عَفا الله عمّا مضى»، لكن من الآن وصاعداً تتغير الممارسة. وتقول: «على سبيل المثال، قد لا تُفتح ملفات بواخر الطاقة في مقابل أن يجري التخلّي عنها وبناء معامل لتوليد الكهرباء، ولا يكون هناك من خسائر بقيمة 3 مليارات دولار سنوياً».
هذه المفاوضات وعملية «الأخذ والعطاء» بدأت، وحصلت أحاديث غير مباشرة في هذه المواضيع، وذلك في إطار تحضير ماكرون لزيارته، بحسب المصادر التي ترى أنّ ماكرون «أجَّل زيارته للبنان لأنّ هناك حديث تحت الطاولة، إن عبر السفيرين المتبادلين بين البلدين، أو من خلال الديبلوماسية العليا. ومن المؤكد أنّ ماكرون «يحمل شيئاً»، و»سيتبَهدل» إذا أتى من دون أن يُنجز».
وترى المصادر الديبلوماسية أنّ الحلول للأزمة اللبنانية أصبحت في الخارج، لا سيما منها الحلّ الاقتصادي، فلا يوجد بعد الآن حلّ داخلي. لذلك، إنّ الحكومة العتيدة يجب أن تُرضي الداخل الى حدٍ ما، لكنّ عليها أساساً أن تُرضي الخارج، أي ألّا تعترض عليها إيران، فتتمكّن من الحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي والأوروبيين والأميركيين.