نقاش حسين منصور حول اللقاحات: "فايزر" الأثبت علمياً وأوراق البحث الصينية لم تكتمل
نقاش حسين منصور حول اللقاحات: "فايزر" الأثبت علمياً وأوراق البحث الصينية لم تكتمل

أخبار البلد - Saturday, February 6, 2021 8:15:00 AM

الأخبار

محمد جنبلاط

النص الذي كتبه الدكتور حسين منصور ونشرته «الأخبار» (في عددها الصادر يوم الأربعاء 3 شباط 2021) تحت عنوان «عن لقاحات كورونا: فوضى العلم وتخبط السياسات الصحية»، تناول العديد من المغالطات والمعلومات الخاطئة علمياً، بحيث يشعر المطّلع على الحقائق العلمية أن من واجبه تصحيح هذه المغالطات لكي لا تنتشر بين العامة على أنها دلائل تغذّي شكوكهم التي قد تكون مبرّرة أحياناً.
بداية، تحدث الكاتب عن وجود اختلاف في وجهات النظر داخل الوسط العلمي، متحدثاً عن تناقض في الآراء بين الخبراء حول لقاح فايزر-بيونتيك، وهذا غير صحيح، بحكم أن الوسط العلمي الحقيقي، يُجمع على أن اللقاح الأميركي - الألماني هو أفضل اللقاحات المتوفرة حالياً في السوق من حيث الفعالية والأمان، وذلك بحكم اعتبارات كثيرة، لعلّ أبرزها فعالية اللقاح التي بلغت 95%، وهي نسبة الفعالية الأعلى التي لم يتمكّن من تحقيقها أي لقاح آخر (المرجع 1 و2). ويبرز أيضاً، تفرّد لقاح فايزر-بيونتيك (لحد اللحظة) بإذن الاستخدام الطارئ من منظمة الصحة العالمية كعامل تفوّق آخر على غيره من اللقاحات (3). ثمّ يكمل الكاتب ليتحدّث عن تخبّط في سياسات التلقيح في الدول العظمى، وهو كلام بعيد عن الواقع، إذ تشير جميع التقارير الواردة من الدول التي بدأت بالفعل عملية تلقيح مواطنيها إلى أن المشاكل التي تواجهها الحكومات تنحصر بسياسات التوزيع وقدرات الدولة اللوجستية. أما الحديث عن خلافات علمية ونقاشات حقيقية تتعلق بنوع اللقاح وفعاليته ووجود «تخوّف» من لقاح فايزر-بيونتيك، فهو ما لم نسمع عنه لحد الآن داخل أطر السلطات الصحية والعلمية المسؤولة في تلك الدول (4).
يحاول الكاتب إثارة الشبهات حول اللقاح الأميركي-الألماني، من خلال التلميح إلى أن بعض شركات الدواء التي أخذت على عاتقها صناعة اللقاح - قاصداً فايزر - متورّطة في تمويل مجلات علمية عديدة بهدف تسويق منتجاتها. طبعاً، يسقط كلام الكاتب هنا عندما نتحدّث عن وجود قوانين وتشريعات قانونية وأخلاقية في عالم البحث الطبي تقيّد قدرة الشركات الكبرى على التأثير على المجلات العلمية بأموالها، لا بل حتى وإن تبرعت الشركات بالمال للمجلات العلمية، فإنّ هذه التشريعات تفرض طريقة عمل على الباحثين تحتّم عدم تأثر النتائج العلمية بأيّ عامل اقتصادي أو مالي خارج عن إطار البحث المزمع إجراؤه (5).
ومن بين المغالطات التي تُظهر مقاربة الكاتب الخاطئة لموضوع اللقاحات، حديثه عن طريقة عمل اللقاح الروسي سبوتنيك - V، والذي اعتبره تقليدياً، في حين أن الأوراق البحثية الصادرة عن الجهات المصنّعة للقاح الروسي تُظهر أن الروس اتّبعوا طريقة جديدة غير تقليدية في صناعة اللقاح، لكن تختلف هذه الطريقة عن تلك الجديدة أيضاً، والمتّبعة في صناعة لقاح فايزر-بيونتيك (6). ثم يحاول الكاتب إثبات «منطقية» مخاوفه للقارئ، من خلال عملية شرح لطريقة عمل لقاح فايزر-بيونتيك، لكنه يورد مغالطات تستقر به عند اتهام اللقاح بالقدرة على تحويلنا إلى «مخلوقات غريبة عجيبة» بحسب تعبيره. وأثناء الشرح يبرّر الكاتب مخاوفه من خلال الحديث عن إمكانية أن تدخل مكونات اللقاح إلى المحتوى الجيني لمتلقيه، وأن تحدثَ التعديلات عليها. طبعاً، جانب الكاتب الصواب في هذه النقطة أيضاً، إذ أن أهل الاختصاص شرحوا مراراً وتكراراً عدم قدرة مكوّن اللقاح المسمّى mRNA الدخول إلى حيث توجد الجينات في الخلايا. وأوضح مركز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة الأميركية، أن الجسم يتخلّص من مكونات اللقاح بعد مرور ساعات فقط على عملية التلقيح (1 و7).
ولعلّ المغالطة الأكثر استفزازاً تكمن في الحديث عن افتقار لقاح فايزر-بيونتيك إلى مقال علمي يشرح طريقة عمله، ويبلغ عن نتائج التجارب عليه، وكيفية التوصل إلى الأرقام التي تتحدث عن فعاليته؛ واقعاً، كل ما كان يحتاج الكاتب فعله لكي يجد الإجابات عن أسئلته هذه هو أن يكتفي بكتابة كلمة «فايزر» فقط على محرّك البحث «غوغل»، لتظهر أمامه الدراسة العلمية والورقة البحثية التي فيها أجوبة عن كل ما يسأل عنه، فضلاً عن أن فايزر كانت أول شركة منتجة للقاح تُصدر ورقة بحثية عن المرحلة الثالثة من تجاربها، وفضلاً أيضاً عن عشرات المقالات الأخرى التي تتحدث عن فعالية اللقاح وأمانه بعد تجربته في أكثر من دولة (1 و8). ثم يكمل الكاتب في استراتيجية إثارة الشك غير المبرر لدى العامة حول اللقاح، حين يبدأ الحديث عن استخدام اللقاح في ظل تحوّر الفيروس، ويصف استخدام اللقاح في هذه الظروف بـ«لعبة بوكر» بسبب احتمال عدم فعالية اللقاح على النسخ المتحورة. هذا أيضاً غير صحيح، فقد ظهرت العديد من الدراسات التي تتحدث عن أن التحورات لم تؤثر بشكل كبير على فعالية اللقاح، هذا فضلاً عن أن لقاح فايزر-بيونتيك هو الأكثر قدرة بين جميع اللقاحات المتوفرة على أن يتم تعديله بشكل سريع للتأقلم مع أي نسخة متحورة من الفيروس (9).
يعود الكاتب، محاولاً إثارة الريبة وتعزيز النزعة المؤامراتية التي غالباً ما تجذب العامة، ليتّهم شركة فايزر بالتستر على عوارض جانبية دفعتها إلى اشتراط تحمّل الجهة المستوردة المسؤولية عن أي عوارض جانبية يتسبب بها اللقاح لآخذيه. واتهام الكاتب ساقط هنا بحكم أن الأذونات الطارئة التي يتم إعطاؤها لجميع اللقاحات تفرض على الشركات المصنعة جميعها أن تشترط ما تشترطه فايزر على الجهات المستوردة (باستثناء اللقاح الروسي الذي لمّح القيّمون عليه إلى إمكانية تحمّل جزء من المسؤولية عن حوادث غير متوقعة قد ترافق عملية التلقيح)، وبالتالي، لا خصوصية لفايزر في هذا الشرط (10 و11 و12). بعد ذلك، يرتئي الكاتب أن يتحدث عن البروتوكولات العلاجية للمصابين بفيروس كورونا، معتبراً عقار Hydroxychloroquine علاجاً ناجعاً، ويستند على حد قوله في وصفته هذه إلى «أكثر من مئة مقال علمي» يثبت ذلك. لكن الحقيقة هي أن العقار المذكور أعلاه ثبتت عدم فعاليته منذ مدة ليست بالقصيرة، لا بل إن منظمة الصحة العالمية أصدرت توصية بعدم استخدامه أبداً في أي بروتوكول علاجي في تموز الماضي (13). ثمّ يختم الكاتب مقاله بالحديث عن «أكثر من مئتي» مقال «علمي» يتحدث عن فعالية اللقاح الصيني وأمانه، في حين أننا مازلنا إلى حد الآن نطالب بوجود ورقة بحثية تشرح تفاصيل المرحلة الثالثة من التجارب على اللقاحات الصينية، لكن دون أن تلقى هذه المطالب أي صدى لدى الشركات الصينية المصنّعة (14).
إن القارئ والمتلقّي لكمّ المعلومات الرهيب يومياً عن فيروس كورونا وعلاجاته ولقاحاته وكل تفاصيله، يحق له أن يسأل عن مصدر هذه المعلومات وعن أهلية ناقلها، لا بهدف القدح والذم والتبخيس، بل لأن هذه المعلومات الخاطئة لا تُختصر تبعاتها بنقاش بين وجهتي نظر، بل تتعرّض بشكل مباشر لحياة أهلنا وأرواح أطفالنا. فالعلم حقائق ثابتة تتكلم عنها التجارب، لا الأهواء والأيديولوجيات. ومن هذا المنطلق، يغذّي استياء أهل الاختصاص والاطّلاع من المقال عدم إرفاق الكاتب لأي مرجع يستند إليه في ادّعاءاته. ورغم كل ما سلف، وفي ظل تفلّت إعلامي متعاظم الحجم والأثر، يبقى الدور الرئيس في غربلة المعلومات المتلقّاة على عاتق المتلقي؛ ففي عصر الجائحة، لا يكفي أن يكون المصدر طبيباً إذا لم يكن مختصاً، ولا يكفي أن يكون طبيباً مختصاً إذا لم يكن مطّلعاً، ولا يكفي أن يكون طبيباً مختصاً مطّلعاً إذا لم يُرفق ما يصدر عنه بدلائل علمية ومراجع مناسبة.
* طالب طب في جامعة
بيروت العربية

المراجع:
1- Safety and Efficacy of the BNT162b2 mRNA Covid-19 Vaccine | NEJM
2- Draft landscape and tracker of COVID-19 candidate vaccines (who.int)
3- WHO issues its first emergency use validation for a COVID-19 vaccine and emphasizes need for equitable global access
4- SAP BrandVoice: The Incredible Challenges Of Vaccinating The World - Twice (forbes.com)
5- the-concordat-to-support-research-integrity.pdf (universitiesuk.ac.uk)
6- Sputnik V COVID-19 vaccine candidate appears safe and effective - The Lancet
7- Understanding mRNA COVID-19 Vaccines | CDC
8- Is the COVID-19 Vaccine Safe? | Johns Hopkins Medicine
9- Could new COVID variants undermine vaccines? Labs scramble to find out (nature.com)
10- Exclusive: ‹We›re confident› - Russia to share legal risks of COVID-19 vaccine | Reuters
11- AstraZeneca to be exempt from coronavirus vaccine liability claims in most countries | Reuters
12- Liability for the Production and Sale of Vaccines - Vaccine Supply and Innovation - NCBI Bookshelf (nih.gov)
13- WHO discontinues hydroxychloroquine and lopinavir/ritonavir treatment arms for COVID-19
14- Arab nations first to approve Chinese COVID vaccine — despite lack of public data (nature.com)

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني