ابراهيم ناصر الدين- الديار
التاريخ يعيد نفسه على الساحة اللبنانية، المشهد نفسه يتكرر عند كل مفترق طرق اقليمي ودولي، هذه المرة دفع الناشط السياسي لقمان سليم حياته ثمنا لعملية اغتيال مشبوهة في «الزمان والمكان» تم ترتيبها على «قياس» محدد يسمح باستغلالها لاطلاق حملة ادانة ممنهجة من قبل خصوم وأعداء حزب الله في مرحلة شديدة التعقيد والخطورة تشهد «شد حبال» دولياً واقليمياً، وتصعيداً اسرائيلياً، وانسداداً للافق داخليا، في السياسة، والاقتصاد، والصحة. وفي انتظار جمع «خيوط» التحقيقات الاولية والادلة للوصول الى نتائج واضحة، ولو لمرة واحدة في بلد تبقى الحقيقة فيه اكبر الضحايا، تثير عملية الاغتيال الكثير من علامات الاستفهام وترفع منسوب القلق من انفلات امني ممنهج يهدف الى اثارة الفوضى، وخلط الاوراق داخليا، خصوصا ان اكثر من جهة استخباراتية خارجية سبق وحذرت من عودة الاغتيالات، كما ذكرت «الديار» بالامس، وهذا يعني ان البلاد قد تكون امام مرحلة خطرة في ظل تراكم الجرائم الغامضة التي تحتاج الى تكثيف التعاون الامني بين الاجهزة لتعزيز الامن الاستباقي، لان اهدافها قد تكون مقدمة لاسقاط آخر الهياكل التي تحمي الدولة من السقوط الى غير الرجعة. في هذا الوقت، لا تزال ارقام وفيات «كورونا» مرتفعة قبل ساعات من التوجه الى تمديد جديد للاقفال الى 15 الجاري مع استثناءات، ورفع تدريجي للاقفال بدءا من الثامن من الجاري، وسط قلق جدي من انفلات اجتماعي يؤدي الى تضييع نتائج الاقفال العام. وفيما الملف الحكومي لا يزال مجمدا دون اي بوادر جدية لاحداث خرق قريبا، بانتظار نتائج الحراك الخارجي الذي توج بالامس على نحو لافت ببيان اميركي - فرنسي مشترك يمكن ان يكون مؤشرا على تعاون ثنائي كان مفقودا ابان ادارة الرئيس دونالد ترامب، عكس الاعلام الاسرائيلي ارباك القيادة العسكرية والسياسية في التعامل مع استهداف حزب الله للطائرة الاسرائيلية المسيرة قبل يومين واعتبرت عدم الرد تآكلا للردع الاسرائيلي.
ودعت مصادر مطلعة الى عدم استباق نتائج التحقيق، وعدم توظيف الجريمة في زواريب السياسة اللبنانية، خصوصا ان علامات استفهام كبيرة تدور حول ظروف عملية الاغتيال، حيث عمدت الجهة المرتكبة الى اختيار ساحة الجريمة بعناية فائقة لتوجيه الاتهام الى جهات بعينها، وهي ادلة ظرفية مثيرة «للسخرية» في دلالاتها، ولذلك من المهم الوصول الى نتائج سريعة للتحقيق، لمعرفة خلفية الاستهداف وظروفه، وعدم تحويل الجريمة الى مادة جديدة للعبث السياسي والامني في البلاد.
بعبدا لن ترضخ «للاستقواء» بالخارج!
في هذا الوقت، لا تزال «طريق» بعبدا - بيت الوسط مقطوعة، بل ومزروعة «بالالغام»، كما تشير اوساط مطلعة على مسار التفاوض الحكومي، خصوصا ان زيارات الرئيس المكلف سعد الحريري الخارجية، لا تصب في اطار تأمين الدعم المطلوب لاي حكومة مفترضة، وانما للاستقواء على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي. هذا ما تعتقده الرئاسة الاولى التي ترى ان الحريري ما يزال يحاول الدخول الى القصر الجمهوري من «الباب الخاطىء»، فالتفاهم اولا مع الرئيس عون هو «مفتاح» الحل للمعضلة المنهجية في عملية التشكيل والتي كبل الرئيس المكلف نفسه بها، ولا يعرف كيفية التراجع عنها، وهو يأمل في خلق مناخ خارجي ضاغط على رئيس الجمهورية لاجباره على الموافقة على معادلاته التي لا تستقيم مع المعايير الموحدة الملزمة لولادة الحكومة، ولهذا فهو يهدر وقته اذا ما كان يظن انه قادر على الاستقواء «بعضلات» القوى الخارجية، فالرئيس عون لن «يطلق النار» على نفسه او على فريقه السياسي، لا اليوم ولا غدا، لان المطلوب منه الانتحار والتسليم بنهاية عهده مبكرا، وهذا لن يحصل، ولا حل الا بالعودة الى الشركة الكاملة في السلطة، وغير ذلك سيبقى الجميع في حلقة مفرغة من التمييع وهدر الفرص.
«صمت» الحريري الى متى؟
في المقابل، سيكسر الرئيس الحريري صمته في ذكرى استشهاد والده في 14 شباط، ووفقا لاوساطه ليس في نيته الاعتذار حتى الان، بعدما يصارح اللبنانيين بطبيعة العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة، لكنه سيعمد الى رفع «السقف» مع العهد، ورئيس التيار الوطني الحر، دفاعا عن موقعه الدستوري وصلاحيات الرئاسة الثالثة. كما ترفض اوساطه الحديث عن الاستقواء بالخارج وتشير الى انه يتحرك في «الوقت الضائع» لتأمين استعادة علاقات لبنان الخارجية والتي ستشمل الامارات وفرنسا بعد زيارته مصر، فيما لا يوجد على جدول اعماله حاليا اي موعد لزيارة السعودية.
الرياض على موقفها
ووفقا للمعلومات، لا شيء تغير في الرياض في ما يتعلق بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، ولا تزال المملكة غير معنية بالملف اللبناني، وترى فيه شخصية غير قادرة على مواجهة حزب الله، وتواصل تقديم التنازلات له، ويفترض ان يتبلور الموقف السعودي على نحو اكثر وضوحا عقب زيارة مفترضة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمملكة والامارات، قبل نهاية الشهر الجاري، وقد يتم استبدالها باتصالات مع قياداتها بسبب تفشي كورونا.
اضاعة الفرصة
وفي هذا السياق، ترى اوساط دبلوماسية في بيروت ان اللبنانيين اضاعوا فرصة جديدة في «تهريب» تشكيل حكومة جديدة بعيدا عن ربطها «بمخاض» التفاوض الاميركي - الايراني على الملف النووي، لكن الامور باتت اليوم اكثر تعقيدا في ظل محاولات حلفاء واشنطن في المنطقة زيادة ضغوطهم لمنع اي تسوية لا تتناسب مع مصالهم، وهذا قد يطيل عملية التفاوض، ما يبقي الوضع اللبناني معلقا، الا اذا نجح الرئيس الفرنسي في تحويل الساحة اللبنانية الى مسرح لاختبار النيات الحسنة، لكن المشكلة تبقى في ماكرون نفسه حيث يبدو «متخبطا» في دبلوماسيته التي تعقد الامور ولا تساهم في حلها.