في أوائل فبراير/شباط من العام الماضي، وصل 57 شخصاً إلى قاعدة عسكرية في نبراسكا، كانوا من بين أوائل الأميركيين الذين تم إجلاؤهم من ووهان الصينية مركز تفشي فيروس كورونا الجديد، حينها لم يكن مسؤولو الصحة الأميركيون يعرفون عن الفيروس الجديد الغامض إلا القليل، فما كان من مجموعة الحجر الصحي إلا أن قدمت فرصة مبكرة لتقليل حجم التهديد.
فبعدما طلبت الحكومة الفيدرالية المساعدة من فريق في المركز الطبي بجامعة نبراسكا، بما في ذلك الدكتور جيمس لولر، وهو متخصص ذو خبرة في الأمراض المعدية، طلب بدوره وعلى الفور من المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، منها (CDC) ذات الشهرة العالمية، الحصول على إذن لاختبار المجموعة المعزولة، على اعتبار أنه من الضروري معرفة ما إذا كان الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض قد أصيبوا فعلاً ويمكن أن ينشروا الفيروس المميت.
قلق من المحتجزين
شعر مسؤولو الوكالة بالقلق من أن المحتجزين لا يمكنهم إعطاء المعلومات المناسبة، لأنهم قد يشعرون بأنهم مجبرون على الاختبار.
وفي رسالة إلكترونية وصلت بتاريخ 8 فبراير/شباط، كتب مسؤول في موقع الحجر الصحي إلى لولر أن "مركز السيطرة على الأمراض لا يوافق على هذه الدراسة. الرجاء عدم الاستمرار في الاتصال بالمسافرين لأغراض البحث".
انتشار صامت قد سبب كارثة!
مر بعدها أكثر من شهرين قبل أن يوسع مركز السيطرة على الأمراض إرشادات الاختبار الخاصة به ليشمل جميع الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض، قائلاً بعد ذلك بوقت قصير، إن هذا الانتشار الصامت قد يساهم بشكل فعال في انتشار الجائحة.
وبحلول نوفمبر، قدرت الوكالة أن أكثر من نصف الحالات انتشرت من قبل أشخاص لا يعانون من الأعراض.
إخفاق أدى للمصيبة
أكد النقاد على نطاق واسع أن مركز السيطرة على الأمراض أخفق في اتخاذ قرارات مهمة خلال كارثة فيروس كورونا، وقد وجدت وكالة "رويترز" في تقريرها هذا، أدلة جديدة على أن استجابة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها للوباء قد شابتها أفعال أو تقاعس -من قبل العلماء المهنيين وموظفي الوكالة في الخطوط الأمامية.
ففي لحظة حاسمة من الوباء أي عندما تم عزل الأميركيين بعد ازدياد الخطر، أفاد التقرير بأن الوكالة رفضت أو عارضت فرصاً قيّمة محتملة لدراسة ما إذا كان يمكن أن ينتشر المرض من قبل أولئك الذين ليس لديهم أعراض أم لا، وبعد فترة وجيزة من رفضها اختبار العائدين من ووهان، أجلت الوكالة اختبار الركاب الذين لم تظهر عليهم أعراض من بين 318 شخصاً تم إجلاؤهم من Diamond Princess، سفينة اليابان السياحية التي كانت موبوءة بكورونا.
كما فشلت الوكالة في ذلك الوقت في الاستفادة بشكل فعال من الخبراء الخارجيين، وبدت في بعض الأحيان غير مستعدة للأزمة على الأرض، حيث افتقرت إلى معدات الحماية الشخصية المناسبة وتجاهلت البروتوكولات المعمول بها، بحسب التقرير.
لا مبرر!
وفي شهادة 4 من كبار خبراء الصحة العامة فإن مركز السيطرة على الأمراض قد أنهى القواعد التي كان معمولاً بها في عام 2017 والتي تنص على السماح بالفحص الطبي في الحجر الصحي، وهو ما يعني إعطاء الأشخاص معلومات كافية لفهم مخاطر وفوائد الاختبار أو الإجراءات المعمول بها، مؤكدين أن حجة مركز السيطرة على الأمراض ضد الاختبار كانت غير مبررة في ظل ظروف التفشي، وقال أحدهم: "أنت تطلب الموافقة ولا تفرض أي ضرر.. هناك سبب وجيه للقيام بذلك".
بالمقابل، يجدر التنويه إلى أنه من الصعب معرفة ما إذا كانت الاختبارات المبكرة الأكثر صرامة بين الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض قد غيرت بشكل كبير مسار الوباء في الولايات المتحدة، الذي أصاب بها الوباء 24 مليون شخص وقتل أكثر من 400000، حيث لم يكن مركز السيطرة على الأمراض الوكالة الوحيدة التي كافحت لحل هذه المشكلة.
والجدير بالذكر أن مسؤولًا في منظمة الصحة العالمية كان وصف الانتشار بدون أعراض بأنه "نادر جدًا" في يونيو/حزيران الماضي، ليقول بعد ذلك بيوم واحد "ليس لدينا هذه الإجابة في الواقع حتى الآن".
وفي الأشهر الأخيرة، قالت منظمة الصحة العالمية، إن الأشخاص المصابين بدون أعراض يمكن أن يكونوا معديين، لكن "ما زال من غير الواضح ما إذا كان هذا أكيداً.
وتأكيداً لهذه الإجراءات، لفتت الدكتورة سونيا راسموسن، التي عملت في مركز السيطرة على الأمراض مدة 20 عاماً، وكانت في وقت ما مسؤولة عن التأهب لوباء الإنفلونزا، أن موظفي الوكالة كانوا من بين أكثر المهنيين تفانياً في العالم وكانوا يبذلون قصارى جهدهم في ظل أصعب الظروف. وأضافت: "لقد كان هذا وباءً شديد الصعوبة وكان من الصعب على أي شخص أن يخمن ما كان سيحدث".
إلا أنها ختمت حديثها ومعها أخصائيون آخرون في الصحة العامة، أن الأميركيين يستحقون دراسة شاملة لأوجه قصور الوكالة في الأزمة.
بعد مارس/آذار وبعد مواقف كثيرة، نشر مركز السيطرة على الأمراض، دراسة تفيد أن هناك عدوى قد تحصل من شخص لم يحمل أعراضاً، وفي نفس الأسبوع ولأول مرة، أوصت الوكالة باختبار العاملين في مجال الصحة حتى من هم دون أعراض.
فرضوا الكمامات أخيراً
وبناءً على الأدلة، أوصى مركز السيطرة على الأمراض (CDC) بأن يرتدي الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض أغطية وجه من القماش في الأماكن العامة.
وبعد شهر تقريباً أي في أبريل/نيسان، وسعت الوكالة إرشادات الاختبار.
يشار إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان اعتبر في كلمة له ليل الجمعة، أن وباء كوفيد-19 سيسفر عن أكثر من 600 ألف وفاة في الولايات المتحدة، مضيفا "العدد الآن 400 ألف وفاة، لكنه سيتفاقم".