أنطوان الأسمر
زادت وطأة إنتظار اللبناني لتشكّل المسار الأميركي الجديد. ومع أن ملامح السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جوزف بايدن في الإقليم باتت واضحة نسبيا، وخصوصا في مسألة الحوار المفترض مع طهران حيال ملفها النووي أولا، ومن ثم الصواريخ الباليستية ونفوذها في المنطقة، لا يزال المسؤولون اللبنانيون يتهيبون الخوض الجدي في مسألة تشكيل الحكومة، في إنتظار صورة أوضح، وربما لرغبة في ملاقاة ما سيكون عليه إنعكاس هذا التطور الأميركي عربيا، وخليجيا على وجه التحديد.
صحيح أن العقبات أمام تشكيل الحكومة تتخذ الطابع الداخلي، لكن وهج التغييرات في الإقليم حتّم التمهل في التشكيل بداية، ومن ثم الركون الى الإنتظار، ليقين المسؤولين أن نتائج الإنتخابات الأميركية، وإستطرادا الفوز الديمقراطي العريض، رئاسيا وفي الكونغرس بهيئتيه، ستغيّر حتما في مجمل المشهد، لا بل قد تأتي بتغيرات غير محسوبة تفترض مقاربات متجددة ومحدّثة:
أ-فمن كان يراهن على فوز الرئيس الخارج دونالد ترامب، وتاليا إستمرار النهج المتشدد حيال إيران، ركن خطوات الى الوراء مستمهلا ما ستكون عليه السياسة الجديدة التي تبدو الى الآن، إستنادا الى القرارات التي إتخذها بايدن في الساعات الأولى لتوليته، إنقلابا تاما على الترامبية. وليس مستغربا أن يعمد هذا الفريق اللبناني الى مراجعة واسعة للسياسات والخيارات، قد تنعكس في مكان ما تلييناً حكوميا بعد تشدد.
ب-ومن كان يجزم بتغيير أميركي دراماتيكي إلتقط أنفاسه، وإن من غير كثير أوهام. وبات هذا الفريق على ثقة بأن المنطقة مقبلة على إنفراجات، أولى طلائعها تمثلت في المصالحة الخليجية، لحاجة دول مجلس التعاون، على ما يبدو، الى دور قطري ما على مستوى المنطقة, ولن يكون هذا الدور حصرا في الشأنين الإيراني والتركي، بل ثمة مساحة متوقعة ذات دلالة للشأن السوري. وجاء كلام وزير الخارجية القطرية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني غداة إلتئام المصالحة، عن أن الوقت قد حان كي تبدأ الدول الخليجية محادثات مع إيران، وأن دولا في مجلس التعاون تشاركه أيضا الرغبة في الحوار مع إيران، ليعزز إنطباع لبنانيا بأن اللين سيكون عنوانا رئيسا للمرحلة المقبلة، وإن إستُهلك بعض الوقت لتحقيقه. ويُتوقع أن تتشكّل الصورة المحدّثة للمنطقة، بدءا وليس إنتهاء بالحوار الأميركي – الإيراني، في غضون 6 الى 7 أشهر حدا أقصى.
وتعزز هذه المقاربة الفريق الأميركي المعين حديثا الذي سيركن اليه بايدن في تنفيذ إستراتيجيته الخارجية. كان لافتا أن التعيينات في مناصب مفتاحية إرتكزت على عدد كبير من المسؤولين اليهود، وأبرزهم وزيرة المالية جانيت يلين ووزير الخارجية أنطوني بلينكن ونائبتيه ويندي شيرمن وفيكتوريا نولاند (للشؤون العامة)، ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس وكبير موظفي البيت الأبيض رون كلين ومديرة الأمن الوطني أفريل هاينز ومدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز والمدعي العام ميريك غارلند. لكن هؤلاء جميعا من اليهود الليبراليين الذين لا ترتاح اليهم إسرائيل ولا لوبياتها في واشنطن، خصوصا أن منهم من لعب دورا بارزا في الإتفاق النووي الملغى.
ولا ريب أن تل أبيب تنظر بريبة كبيرة الى مستشار الأمن القومي جاك سوليفان بإعتباره مصدر القلق الرئيس نظرا الى انحيازه المعلن الى إتفاق مع ايران.
في هذا السياق، ثمة من يجزم بأن المفاوضات بين واشنطن وطهران إنطلقت بالفعل. إذ إن قرار ترامب بإلغاء الإتفاق النووي أدى بإيران الى تخصيب ما يزيد على 100 كيلوغرام من اليورانيوم، مما أتاح لها مراكمة 150 كيلوغراما كافية لصنع قنبلة نووية. وتاليا كان لا بد من حوار سريع لإحتواء الخطوة الإيرانية، مبني على أن ثمن رفع العقوبات يقوم على طلب واشنطن إتلاف أو ترحيل الـ 100 كيلوغرام الإضافية في موازاة وقف البرنامج الباليستي. أما قبول ايران بتجرّع هذا الثمن المرتفع فرهن المكافأة التي ستحصل عليها.
ما هي تلك المكافأة؟ وماذا سيكون عليه موقف كل من الصين وروسيا؟
يحتّم مجمل هذا المشهد المعقد والمتشابك ترويا لبنانيا، والأهم بعضا من التواضع والإنصراف عن الأنانيات والإنفعالات، وبدء ترميم الهيكل المتداعي إنطلاقا من الحسم الحكومي. وهذا الحسم لا يكون من دون الإقتناع بأن طريق بيت الوسط – بعبدا أقرب من كل الطرق الأخرى، ومن المسارات الجوية بحثا عن دور لا يبدو واقعيا.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا