راجانا حمية
في «المعركة الكبرى» مع «كورونا»، مستشفيات لا توفّر فسحة فارغة في المواجهة، وأخرى لا تزال تمارس الابتزاز، محوّلة التهديد الوبائي الى «فرصة» لتحصيل متأخرات مستحقاتها على الدولة.
الحركة لا تهدأ داخل موقف مستشفى السان جورج في منطقة الحدث. بين غرفة إجراء فحوص الـPCR التي استحدثت أخيراً في الباحة الخارجية للمستشفى، وغرفة نتائج تلك الفحوص، يتوزع المئات. يذرعون الفسحة، التي استحالت «ميني مستشفى»، ذهاباً وإياباً في انتظار دورٍ لهم في طابورٍ لا ينتهي. منذ خُصّص المستشفى لمرضى فيروس «كورونا»، لم تعد الباحة تفرغ من الناس. هؤلاء ليسوا زوّاراً يعودون مرضى، بل مصابون بالفيروس أو يعانون من عوارضه. لا وقت للذروة هنا. كل الأوقات باتت ذروة، خصوصاً في الفترة الأخيرة. «الجنون بدأ تقريباً منتصف الشهر الماضي ولا يزال مستمراً إلى الآن»، يقول مدير المستشفى الدكتور حسن عليق. يقدّر أعداد من يحضرون يومياً إلى المستشفى لإجراء فحوص الـPCR بنحو «800 شخص، وفي بعض الأحيان أكثر». أما «المقيمون» في غرف الاستشفاء والعناية الفائقة، فلم تعد الأسرّة الثمانون كافية لاستيعابهم، ما اضطر الإدارة الى توزيع المرضى على غرف الطوارئ التي يقبع فيها اليوم 8 مرضى، ويتجاوزون أحياناً الـ13، وبعضهم ممن يحتاجون الى عناية فائقة. وإلى هؤلاء، هناك يومياً نحو 30 مريضاً يدخلون ويخرجون إلى قسم الطوارئ. الزيادة الهائلة في الأعداد دفعت الإدارة أخيراً الى تحويل الكافيتريا إلى غرفة «تتسع لثمانية أسرّة لمرضى كورونا»، إذ «ننوي استثمار كل زاوية فارغة لاستيعاب الأعداد المتزايدة».
التغييرات طالت أيضاً عمل الطواقم الطبية والتمريضية؛ فُرز هؤلاء بين طواقم المستشفى وطواقم «الباحة». يدرك هؤلاء استثنائية المعركة التي يخوضونها في مواجهة الفيروس، إلا أن الخوف هو ما سيحمله استمرارها «خصوصاً أن الفرق الطبية استنزفت»، تقول إحدى العاملات في القسم المستحدث لفحوص الـPCR.
قرارات إدارة المستشفى تسير بوتيرة متسارعة، إلا أن الأعداد الهائلة للمصابين تسبق هذه القرارات بأشواط. لذلك، «الوضع كئيب وسيّئ». يكفي أن تتفرج في الباحة وعند مدخل باب الطوارئ على المرضى الذين يحتاجون الى أسرّة، فيما «نحن عاجزون».
ليس العجز حكراً على مستشفى السان جورج. كل المستشفيات التي أفرغت أسرّتها لمرضى «كورونا» تعاني الشعور نفسه. شعور ألا تجد الإدارة سريراً فارغاً أو قارورة أوكسيجين لإنقاذ حياة مريض. اليوم، في ظل الانفلاش المتسارع للفيروس، أصبح هذا الشعور عاماً. وصارت هذه المشاهد يومية في المستشفيات التي اتخذت على عاتقها مواجهة الفيروس، من مستشفى بيروت الحكومي إلى السان جورج إلى «النبطية الحكومي» إلى غيرها. وفي المقابل، ثمة مستشفيات قرّرت، عن سابق تصور وتصميم، عدم المشاركة في هذه المعركة، ما جعلها غير متكافئة. هناك، من جهة، مستشفيات استنزفت بسبب التهافت الكبير من المرضى في مقابل نقص المستلزمات الطبية والمعدات وإرهاق العاملين فيها، ومن جهة أخرى مستشفيات لطالما أكلت «البيضة والتقشيرة» من السقوف المالية، وتربط مشاركتها في المواجهة بتحصيل ما تسمّيه مستحقاتها.
اليوم، استحالت كل الفسحات في المستشفيات التي تعالج مرضى «كورونا» غرفاً مؤقتة، قد تصبح مع استمرار تدفق المصابين دائمة، ومع توقع بلوغ أعداد المصابين ذروات جديدة، ستبدأ في اليومين المقبلين مع تكشّف تداعيات «حفلات رأس السنة»، ومن بعدها تداعيات «حفلات التموين» التي شهدها اليومان الماضيان.