لم يكن عيد الربيع في الصين هذا العام كسابقه. وباء الـ"كورونا" عاد ليضرب من جديد. هذا الفيروس الذي خمدت شرارته لسنوات يتفشّى اليوم في اكثر من مقاطعة صينية ابرزها "ووهان" معقل فيروس كورونا المستجد الذي وصلت اصداؤه الى العالم مترافقا مع مخاوف وقلق لدى الكثير من الناس، خصوصا وان وجوده سجّل في اكثر من 15 دولة حول العالم بينها فرنسا واليابان والولايات المتحدة الاميركية.
وبالعودة الى المدينة الصينية المنكوبة "ووهان"، طالب لبناني يدعى ادهم السيد يعيش في المدينة منذ 5 سنوات، عايش الاوضاع المستجدة في المدينة وشاركها مع متابعيه واصدقائه من خلال منشوراته على موقع "فيسبوك" حتى بات مرجعا للكثيرين لمتابعة الاوضاع في المدينة الصينية واوضاع اللبنانيين الـ4 الذي يعيشون فيها.
موقع VDLnews تواصل مع ادهم الذي اخبرنا عن تفاصيل الحياة في المدينة المنكوبة، وكيف عايش هذه الواقعة للمرة الاولى.
يؤكّد السيد أنّ الجميع ملتزم باجراءات معمّمة ومشدّدة من قبل السلطات الصينية عبر الجامعة التي يدرس فيها، وانّ هذه الاجراءات تخضع لتعديلات بشكل يومي تبعا للمعطيات والتطورات التي يسلكها الوباء. وقال السيد: "من اول يوم للحظر وحتى قبل ايام منه لا نخرج من منازلنا من دون الكمامات من اجل الوقاية وعند الضرورة فقط، فأنا لم اخرج من منزلي في الأيام الـ7 ايام الاخيرة الا مرّة واحدة، وعند عودتنا من الخارج نقوم بغسل ايدينا ونطهرها بمواد للتعقيم من صابون وغيره".
لا خوف من الاصابة بالفيروس لطالما الجميع ملتزم بالاجراءات وبأساليب التعقيم بحسب الطالب اللبناني.
ويفصح ادهم على انّه "حتى اليوم وبعد اكثر من شهر على انتشار الفيروس لم يصب اي طالب اجنبي - لا لبناني ولا عربي ولا غير عربي-، وفي حال الاصابة لا سمح الله فالامكانات التي وضعتها السلطات الصينية للسيطرة على الفيروس متوفرة وبشكل هائل".
الاجراءات بعد وعكة "ووهان"
وفي خلال حديثنا معه، لفت السيّد الى انّه "منذ بداية الحجر الصحي في المدينة لم تنقطع الامور الاساسية التي يحتاجها الانسان في مثل هذه الحالة وهنا اقصد المواد الغذائية والطبية، فكل السلع في المتاجر متوفرة وحتى الادوية بجميع انواعها متوفرة في الصيدليات".
جهود السلطات الصينية باتت واضحة الى العلن، لا سيّما بعد تأكيد منظمة الصحة العالمية على اهمية الخطوات المتبعة من قبل الصينين للحد من انتشار المرض، بعد قرار يقضي ببناء مستشفيين في وقت قياسي، حيث يصبح الاول جاهزا يوم 2 شباط المقبل والثاني يوم الخامس من الشهر عينه والمستشفيان متخصصان بالمصابين بالكورونا حصرا. وهنا يحدّثنا ادهم عن المزيد من الاجراءات المتّبعة، حيث اشار الى انّ "فرقا طبية قدمت من كافة المدن الصينية الى ووهان، منها فرق تابعة للجيش الصيني مختصة بالاوبئة والفيروسات. كما انّ مراكز الابحاث الطبية في المقاطعة تعمل بجهد وبشكل يومي وكبير من اجل ايجاد اللقاحات اللازمة"، مؤكّدا انّ "المدينة لم تشهد اي امر خارجا عن المألوف من ناحية النظام والامن فيها".
اهلي واصدقائي قلقون... ولكن!
وفي سياق حديثنا مع الطالب اللبناني، كشف لنا انّ اهله واصدقاءه يعيشون حالة من القلق حيال وضعه في المدينة الموبوءة، الا انّه على تواصل دائم معهم. وقال: "طمأنت اهلي وقلت لهم ان لا داعي للهلع والخوف لكن بالنهاية هم اهلي واصدقائي ومن يرى الامر من بعيد يبدو الوضع عليه اصعب، وهم دائما يحاولون الوقوف الى جانبي بكافة الفرص والوسائل المتاحة لهم".
وتابع: "نقول للجميع وعبر موقعكم ان لا داعي للهلع، وصحيح انّه فيروس وبائي، وصحيح انّ من المرجّح ارتفاع المصابين به لكن الفيروس ليس بالخطورة التي يتحدّث عنها الناس، كما يمكن السيطرة عليه؛ وانا شخصيا اثق بجهود السلطات الصينية للحد من انتشاره اولا والقضاء عليه ثانيا واتمنى ان نصل الى هذه النتيجة بأسرع وقت ممكن لكي نرتاح وترتاح عائلاتنا". واعتبر ادهم انّ "مدينة ووهان تخوض حربا عن البشرية كلها من اجل الانسانية، لأن في حال انتشر هذا الفيروس خارج هذه المنطقة لا يوجد اي دولة تمتلك الامكانات التي تمتلكها الصين".
"ووهان" الجرداء...
ومن خلال الصور والفيديوهات المنشترة بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نجد ان مدينة ووهان معقل فيروس "كورونا" اشبه بمدينة الاشباح. لا حركة. لا حياة. وضع ميؤوس منه يخيّم في شوارعها تتألّب معه ظلمات الليل، ووحدها الهتافات والنداءات تناجي من يستطيع انقاذ المدينة المحاصرة والتي يعيش فيها اكثر من 11 مليون شخص.
وامام هذه المشهدية، شرح لنا السيّد طبيعة التواصل والتحرّك في المدينة التي تمّ اغلاقها من خلال عدّة مراحل. "ما حدا بيقدر يفوت ما حدى بيقدر يضهر"، هكذا بدأ وصفه للمشهد العام وتابع: "تم حظر الوسائل والاماكن التي يمكن ان يحتك فيها الناس بأعداد كبيرة مثل الميترو وسيارات الاجرة والباصات، وبالتالي عملية الحركة داخل المدينة صارت صعبة الا لمن يملك سيارات خاصة وفي الحالات الطارئة فقط". وأشار الى انّ "كل السكان ليس فقط نحن الطلاب الاجانب ملتزمون بهذه الاجراءات من باب الحماية الذاتية ومن باب مساعدة السلطات للحد من انتشار الفيروس".
واضاف: "عملية التواصل شبه معدومة، يمنع اي تجمّع في الامكان غير الضرورية مثل المجمعات والسينما والملاهي ويقتصر تحرك السكان من اجل شراء السلع الغذائية لا اكثر".
وعند الحديث عن السلع الغذائة والمواد الاولية، تطرقنا مع ادهم الى اي ازمة اسعار محتملة في المدينة بسبب الوضع الذي تعيشه. وهنا شدّد لنا على انه "لا يوجد ازمة اسعار بسبب الحجر الصحي في المدينة، فكل المنتجات متوفرة على مختلف انواعها وبدعم من السلطات المحلية التي تفرض رقابة شديدة"، معتبرا انّ "لا تلاعب بأسعارها "عطريقتنا" اي كما يحصل لدينا في لبنان".
هل عملية الاجلاء ممكنة؟
واكّد الشاب اللبناني ادهم السيّد انّ "السفارة اللبنانية في الصين على تواصل دائم معنا وتضعنا على اطلاع دائم بالمعلومات المتوفرة لديها وكذلك نحن، ولم تطلب منا مغادرة المدينة وهي اصلا غير قادرة على طلب مثل هذا الامر بسبب قرار السلطات الصينية فرض الحجر الصحي. الا ان الموقف الرسمي الصيني متعاون مع اي سفارة سواء اللبنانية او غيرها في حال ارادت سحب رعاياها بالرغم من انّ الصين لا تتمنّى ان يحدث هذا الامر"، لافتا في الوقت ذاته الى انّ "كل ما يحكى عن عملية اجلاء لبعض الاجانب من المقاطعة هو لا يزال مجرد كلام لا اكثر".
ولفت ادهم الى انّ "السفارة اللبنانية اطلعتنا على انها على تواصل مستمر مع سفارات الدول العربية الاخرى، ففي حال اي سفارة عربية ارادت سحب رعاياها ممكن ان تؤمن لنا نحن اللبنانيين خروجنا معهم بالتواصل مع سفارتنا والسلطات الصينية على حد سواء".
وعن سبب عدم تواصل السفارة معهم منذ اليوم الاول، وعن المنشور الذي كتبه على حسابه "فيسبوك" والذي عاتب فيه المسؤولين اللبنانيين بسبب هذا التقصير، قال السيد: "لا تهمني الآن اسباب عدم تواصل السفارة معنا منذ اليوم الاول خاصة في هذه الظروف، والمهم ان الصرخة وصلت واصبحنا اليوم على صلة مباشرة مع السفارة في حال حصول اي طارئ".