بشارة البون
"باش، صباح الخير. نحنا كنا موعودين ببابا نويل يبعتلنا ياك تنشوفك بلبنان، بقى شو بدنا نعمل... ولا بابا نويل الفرنساوي شرفنا كمان (الرئيس ايمانويل ماكرون) ...وما في الا كورونا...!".
كلمات الرسالة الصوتية الأخيرة التي تلقيتها من العزيز جورج بشير في الثاني من كانون الثاني الحالي (خمسة ايام قبل رحيله)، كانت رداً على معايدتي له.
هكذا كان "الزميل القديم ورفيق السفر وصديق العائلة وابن الضيعة" العزيز جورج لا يتخلى عن روح الدعابة والظرافة التي كانت تميز حديثه في خلطة خاصة به فيها المزيج من الجد والمرح والنكتة.
ترافقنا في بدايتي المهنية في "حرب السنتين" وخلال "حصار وحرب المئة يوم" لمنطقة سميت يومها "بيروت الشرقية" وزياراتنا المشتركة للمرجعيات السياسية والدينية والصبحية الاسبوعية مع الرئيس الراحل شارل حلو في دارته في الكسليك، ثم تشاركنا من بعدها في مهمات صحافية في باريس وروما ولندن وبروكسيل والقاهرة وتونس وغيرها. وهكذا نشأت علاقة زمالة وصداقة امتدت الى اكثر من خمسة واربعين عاماً.
اكتشفت في جورج عصاميته حيث بنى مسيرته المهنية والشخصية بجهده وبمثابرته واجادته التنقل من الصحافة المكتوبة الى المسموعة الى المرئية. يأتي بالخبر والمعلومة مباشرة من مصادرهما، فهوعرف كيف ينسج شبكة علاقات ومعارف مميزة لبنانية وعربية ودولية. وقد وظف لتمتين هذه الروابط نجمه الخفيف والمحبب وبسمته الدائمة اضافة الى معرفته في حبك الروايات وسرد الاخبار.
فهو كان دائم الحركة في الداخل وفي تنقل وسفر في الخارج، يكون حيث يكون الحدث ليواكبه تغطية وتحليلا وسط نشاط حيوي وحضور متألق.
كان اسمه يسبقه، وصوته المرفق بتوقيعه بقي في الذاكرة اللبنانية لجيل عاش على وقع القذائف وازيز الرصاص ومآسي القتل وشائعات الخطف. تحلى بجرأة الموقف في صياغته لرسائله وكتابته لمقالاته، مقرونة بحرية الرأي وبشجاعة لمستها عن قرب حين كنا نتنقل في سيارة واحدة بين القنابل ووسط رصاص القنص في شوارع بيروت المقفرة.
غادرنا جورج على عجل لمهمات جديدة تنتظره لاستئاف عمله في الدنيا الثانية تلبية لنداء الزملاء والاحباب الذين سبقوه وينتظرونه لفتح منابر اعلامية هناك: مقر ل"دار العمل" مع الاستاذ الكبيروالأصيل العم جوزف (ابوخليل)، ومحطة ل"راديو مونت كارلو" مع الاستاذ االمرجع ادوار (طربية)، ومكتب ل"وكالة الانباء المركزية" مع الاستاذ الحبيب فوزي (مبارك)، عليهم الرحمة جميعاً...لا عجب في ذلك، فاذا كان العزيز جورج لم يتقاعد هنا في الارض الفانية فما باله في ذلك الفضاء الابدي !
وجورج، الذي احب وطنه وتعلق بمنطقته و خدم ضيعته، لم ينس ان يأخذ معه تصاميم بيت ابنه الثالث الذي تبناه وافتخر به اسوة بولديه بيار ونادر...الا وهو مستوصف سيدة لورد في غادير، عله يقنع معارفه "فوق" ان يساهموا في تشييد مركز صحي واجتماعي آخر في السماء، خصوصا بعد ان ازدادت هنا في هذه الارض المنكوبة قوافل المرضى وانحسرت امكنة استقبالهم وتعذرت سبل معالجتهم !!.
"برونتو" (حاضر او جاهز بالايطالية)، كلمة محببة كان يرددها العزيز جورج، وهي اكثر كلمة قد تصف فيها حاله الدائمة وجهوزيته لكل مهمة صحافية او عامة او اجتماعية او انسانية... وربما لذلك لم يشأ صاحب الهمم ان يخذل النداء الاتي من الاعالي فلبى النداء مسرعاً ودون وداع.