ألان سركيس
يعيش لبنان هذه المرحلة زمن الحنين إلى الماضي وكأنه مكتوب على هذا البلد أن يمرّ بأزمة لا أفق لنهايتها بعد فشل السلطة الحاكمة في ايجاد الحلول الضرورية.
تتقاطع كل المعلومات من دوائر القرار الداخلي بأن لا ولادة حكومية قريبة، فمبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لم تؤتِ ثمارها بعد، على رغم كل محاولات البطريرك تأمين قوّة دفع خارجية لها بعد مباركة الفاتيكان والتنسيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وحتى الساعة، فان كل فريق لا يزال متمسّكاً بشروطه، وهناك ثلاث قوى أساسية تشارك في عملية التأليف وهي فريق رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحرّ"، فريق رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وفريق "الثنائي الشيعي" الممثل بـ"حزب الله" وحركة "أمل"، في حين أن رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط أوحى بأنه يقف على هامش التأليف ورأيه ليس أساسياً، بينما لا يتعاطى حزب "القوات اللبنانية" بعملية التأليف.
ويتمسّك فريق رئيس الجمهورية و"التيار الوطني" بحصّة الأسد في الحكومة تحت شعار عدم السماح للقوى الأخرى باختيار الوزراء المسيحيين، في حين أن الرئيس الحريري ما زال مصرّاً على عدم إعطاء الرئيس الثلث المعطّل، مدعوماً بهذا المطلب من قوى أساسية مثل رئيس مجلس النواب نبيه برّي وجنبلاط وعدد من القوى الداخلية والخارجية.
إذاً، تزداد الأمور سوداوية ولا أمل بخرق قريب حكومياً، في وقت تتجه البلاد نحو كارثة صحيّة سببها إستهتار الناس بصحتهم في فترة الأعياد، من ثمّ عدم وجود استراتيجية واضحة لدى وزارة الصحة وبقية المؤسسات لمواجهة هذا الوباء. والكل يعلم وبالأرقام أن همّ وزير الصحة حمد حسن كان زيادة السقوف المالية لبعض المؤسسات، بينما يعمل على مواجهة "كورونا" إعلامياً فقط من خلال تكثيف إطلالاته، والدليل أنه في الأيام العادية لا يستطيع أي إعلامي الإتصال بوزير بسبب إنشغالاته، فكيف لوزير الصحة أن يجد وقتاً نهار الخميس الماضي في عزّ انزلاق الوضع نحو الأسوأ، ليطلّ صباحاً عبر إحدى المحطات ولوقتٍ فضفاض، ليعاود الاطلالة بعدها مساء، هذا عدا عن إطلالاته الإعلامية الأخرى وفيما يخرق التدابير كلها، مرة برقص الدبكة في بعلبك خلال الصيف، وآخرها الأسبوع الماضي خلال مأدبة غداء في بعلبك لا تحترم الأصول الوقائية؟
فشل لبنان في مواجهة الموجة الثانية من كورونا، والمستشفيات امتلأت بالمرضى وبتنا في صلب النموذج الإيطالي، فبدلاً من التمثّل بايطاليا من جهة عظمة روما وجمال البندقية والثقافة الضاربة بالتاريخ وهيبة الكرسي الرسولي، اتخذ لبنان منها مثال الكورونا وطبّقه، فضلاً عن مثال تعطيل تأليف الحكومات فروما من أكثر البلدان التي تعيش عدم استقرار حكومي إضافةً إلى المافيا الإيطالية التي تفوّقت عليها المافيا اللبنانية بأشواط.
وعدا عن استيراد السلطة للنموذج الإيطالي المافياوي نراها تستورد كذلك النموذج الإيراني. لسنا ننكر أن إيران دولة كبرى. وينبغي طبعاً الفصل بين تاريخها وعراقتها وشعبها والنظام الإيراني. فبدلاً من أن يستفيد لبنان من تجربة حياكة السجاد الإيراني وتطوير صناعته وقطاعاته الإنتاجية وحنكة النظام في السير بين الألغام السياسية، ها هي سلطتنا تدخل البلاد في عزلة إقليمية ودولية، وتخرّب علاقاتنا مع دول العالم أجمع ليصبح لبنان نموذجاً مصغّراً عن النظام الإيراني المعزول.
يجمع الخبراء بأن أزمة لبنان سياسية وإقتصادية بامتياز، وما يفعله حكّام لبنان من إستيراد لنظام المافيا الإيطالية والنموذج الكوروني سيودي بالبلاد إلى الدمار، فبدلاً من استيراد الأحسن نستورد الازمات ونحوّل البلاد الى ساحة مواجهة.