محمد شعيب
تنفتح العيون أكثر فأكثر على واقع المصارف في لبنان وهذا بعد اختراق مجموعة تدعى " Spiders " القرض الحسن التي كشفت فيها عن الداتا من ميزانيات ومستندات مصرف حزب الله التي وصفته تلك المجموعة بالغير شرعي .
وتمتلك مؤسسة "القرض الحسن" التي أسسها حزب الله عام 1982 تحت غطاء جمعية حوّلها بعد ذلك إلى قطاع مصرفي مرادف للقطاع المصرفي اللبناني 31 فرعاً على كافة الأراضي اللبنانية .
ويتعرّض " القرض الحسن " خلال الأيام القليلة الماضية لهجوم كبير أتى بعد كلام رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط والتي قال خلال إحدى حواراته أن حزب الله يركّب صراف آلي في مناطقه تصل نسب السحوبات إلى 5 آلاف في الدولار الأميركي كاش في حين أن المواطن اللبناني " عم يتبهدل في المصارف " .
وفي الوقت ذاته ، دافع آخرون عن " القرض الحسن " بإعتباره أنه المؤسسة المالية الوحيدة في لبنان التي ما زالت تعطي مودعيها أموالً بالدولار الأميركي .
ولكن إشكالية كبرى تلوح في الأفق حيث من المحتمل أن تكون هناك إجراءات أميركية قاسية ضد المصارف وتحديداً مصرف لبنان على غرار ما حصل مع البنك اللبناني الكندي وجمال ترست بنك وذلك بعد حجم اختراق الجمعية والتي كشفت عن تعاونها مع مصارف لبنانية كبيرة .
يعتبر الدكتور محي الدين الشحيمي وهو محاضر في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا ومستشار وخبير قانوني وإستراتيجي في المفوضية الأوروبية أن ظهور ملف القرض الحسن الآن هو بسبب تحوله بطريقة التحوير عبر التصحيف الزمني لقانونه بحسب الظرف الواقع الى مؤسسة مالية مصرفية كما البنوك ، فالتغيير الاصطلاحي للعناوين لا يكرس طبيعة قانونية جديدة ، لكن الامر نتج مع مرور الوقت وبالاستفادة من الواقع اللبناني الحالي وبالاحتيال نوعا ما بالثغرات القانونية هذا بالشكل، اما المضمون فهو يتعلق بعملية الاستعمال المباشر والعلني لماكينات السحب والصرافة الالية وبالعملة الصعبة ومع سقوف عالية نسبيا بحسب المرحلة، ما يجعله متفوقا على البنوك من دون ان يكون بنكا فهو يلعب دورا اخرا ببعد مختلف فالبنوك منعت الدولار وهو يتعامل به وهذه لوحدها مستفزة خصوصا بانه ليس بنكا وهو الامر المستهجن وغير منسق مع المركزي الحاكم ، وخصوصا ان القرض الحسن يتحدث عن مساهمات وليس ودائع اي مساهمين وليس مودعين حكما، الامر الذي يقودنا الى تلاعب حتمي بخصوص التسمية وحتى المضمون الاساسي.
أما بخصوص إزدياد الخناق الإقتصادي على لبنان، إعتبر د. الشحيمي أن ما طرأ للعلن مؤخرا حول القرض الحسن سيؤثر سلبا على مجريات الوضع اللبناني خصوصا بأن المؤسسة مدرجة على قوائم المكافحة والعقوبات الدولية ، وهي بطريقة مجردة باتت جزءا من السوق السوداء لانها الجهة الوحيدة اللامصرفية والتي تضخ الدولار الطازج في السوق اللبناني لفئة معينة وبأماكن محددة وهو لوحده موضع تساؤل وكأنها العضو الوهمي او المتخفي ضمن فريق المصارف بل ومتوفقة عليهم في تأمين وتلبية الحاجيات النقدية وهذا ما جعل المتعاملين معها يستفيدون ويتحكمون بسعر صرف الدولار غير النظامي وبالسوق السوداء ما زاد وسوف يزيد من الالق اللبناني بموضوع مصير العملة وهي التي كانت لا شك جزئية مهمة بموضوع التضخم والانفلاش الاضافي في السعر وضعف قيمة العملة الوطنية وارتفاع سعر الصرف للدولار وهو لوحده كفيل بزيادة الخناق الاقتصادي على البلد.
وشدّد د. الشحيمي على أن موضوع العقوبات الأميركية أو الدولية لا يتوقف فقط على موضوع بعض نشاطات البنوك والمؤسسات المالية وانما له علاقة بنهج الدولة. المؤسسات ومتظللة بشكل اساسي بمكافحة الفساد والحد من التعامل مع النظام السوري وحلفائه (قيصر - مغناتسكي ) ، وهي مستمرة من ضمن هذا المسلسل وبالطبع النظام المصرفي والنظام المالي ضمن هذا النموذج ولا يستحضرنا ما طال كل من بنك الجمال والبنك اللبناني الكندي كذلك ، لذلك العقوبات بحسب مصادرها مستمرة وسوف تكون محددة اكثر وسوف تستهدف الجميع من الطبقة السياسية وليست بفئوية او قطاعية بل شاملة، ولعل قرار الكونغرس الاخير رقم 681 والمتعلق بانفجار مرفأ بيروت يعكس الرغبة بالاستمرار التصاعدي بهذا النهج وانطلاقا من التضامن مع الشعب اللبناني ولوجود الاهمال الاداري والتقصير الوظيفي بشكل ملموس .
وحول إتهام بعض التقارير حزب الله بإستعمال القرض الحسن لتبييض أمواله ، أكّد د. الشحيمي أن القول والجزم بشكل كلامي وزجلي وارتجالي نكون قد دخلنا في امور غير مهنية سواء في القانون وحتى في السياسة والاقتصاد فالمؤسسة عمرها 30 سنة وانها ليست بالجديدة ، وأن الجهة المناسبة التي من عليها ان تخبرنا عن هذا الموضوع هي الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي فهو مؤسسة مالية وخاضعة للقوانين اللبنانية المرجعية التطبيق وهي كثيرة وليس من مجال لذكرها هنا كلها انما يسترعي الامر الدخول في التنظيم القانوني للصراف الالي في لبنان والقانون رقم 33/99 الصادر سنة 1999والذي وسع نوعا ما مهمة مصرف لبنان والمنصوص عنها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف ، بصلاحية فرض الغرامات والعقوبات ،اضافة الى القرار رقم 7299 الصادر سنة 1999 المتعلق بالصراف الالي وبطاقات الائتمان والمعدل بالقرار رقم 8216 سنة 2002 ، حيث الامر يحتاج فعلا ونظرا لحساسيته تحقيق وتدقيق لتبيان الاصل وتقويم الامر قبل انفلاشه وانفلاته بشكل يصبح من غير الممكن تفادي عواقبه ،فالمرجعية الصالحة تقتضي التدخل الفوري لتبيان الاصل.
وحول دفاع البعض عن القرض الحسن وإعتباره المصرف الوحيد الذي لم يمس بودائع زبائنه ، أشار د. الشحيمي أن الامر غير مناسب لترجمة التبريرات ووجهات النظر الخاصة ، طبعا المستفيد سوف يدافع وغير المستفيد سوف يجاهر ويهاجم وهذا امر طبيعي ، اما الموضوع الاساسي هو التبين من كون هذا الموضوع قانوني من عدمه خصوصا وانه يتعلق بموضوع حساس لبنانيا ويطرق على وتره الحساس استراتيجيا وهو الموضوع المالي والنظام المصرفي وهذا من شأنه ان يحدث صدمة وامر غير حميد ولبنان بغنى عنه ، لذا الامر يتطلب التعامل بحزم وعدم التحوير والتحايل على القوانين بلغة الامر الواقع والالتزام بمعايير الشفافية واحترام سيادة الدولة بغير ذلك تكون لنا هذه مغامرة ولا داعي بالفعل لها.
وختم د. الشخيمي مؤكّداً أن لبنان بأكمله في عنق الزجاجة وفي لب المشكلة وانه بأزمة جدية تهدد كيانه واستمراريته وتهدده كعضو فاعل في المنظومة العربية والدولية ايضاً . واشار أن مشكلة القرض الحسن ليست سوى جزء من هذا الموضوع ،ولكنه جزء خطير يكرس لأنظمة الاقتصاد المناطقية والأنظمة المالية الموازية ويخلق مزيدا من اللاعدالة الاجتماعية وحالات من الاستفزاز على المستوى الشعبي وفصل اضافي من تهاوي صورة الدولة السيدة ، وشدّد على ضرورة تعامل جميع الاطراف وخصوصا حزب الله بشفافية في كل المراحل والظروف لما يقتضيه مصلحة الدولة ، وبات لزاما عليهم التعامل الجدي بتقنية ومهنية وليس الاسمي لان لبنان يعاني اكثر وبات قريبا اكثر من القعر والذي لا يوجد تحته اي قعر.