كلير شكر
يقفل العام 2020 على أخطر أزمة اجتماعية - اقتصادية يتعرض لها لبنان، فيما يطلّ العام الجديد مثقلاً بالهموم والاحباط والخوف مما ستحمله الأيام القليلة المقبلة. فوق هذه المخاوف تتربع حالة اليأس التي تثيرها صراعات وحروب المهاترات التي تخوضها القوى السياسية وهي تتفرج على الوضع يغرق أكثر في وحوله وفي حقل ألغامه.
مضى أكثر من 14 شهراً على انتفاضة 17 تشرين الأول التي عرّت الأزمة المالية وأسقطت الهيكل على رؤوس الجميع، وكشفت عورات نظام مصرفي بدا مبنياً على رمال ديون سيادية التهمت ودائع الناس وجنى أعمارهم... ومع ذلك، لم تتمكن الطبقة الحاكمة من التعالي عن خلافاتها ورهاناتها للاتفاق على كيفية مواجهة المصير الأسود الذي يلاحق اللبنانيين، ووضع خطط المعالجة والتصدي للأسوأ.
خزينة عامة مديونة، مصرف مركزي ملاحق باتهامات التواطؤ في نهب شعب بأكمله، ومصارف تجارية صارت كرتونية قد تسقط في أي لحظة... وإفلاس عام يضرب الغني والفقير، الّا من تسنّى له من المحظيين تهريب أمواله الى الخارج أو "تسييلها" قبل الاطباق عليها في المصارف مع انكشاف "الكذبة الكبيرة". ومع ذلك، القوى السياسية في "اللا لا لاند".
غريب أمر تلك الطبقة السياسية، تتصارع على فتات دولة لم يبق منها إلّا هيكلها العظمي وتتلهى بمعاركها الجانبية، فيما الجوع يدقّ الأبواب والخوف من المجهول يؤرق الأذهان. أتتها المبادرة الفرنسية على طبق من فضة، على علّات مصالح فرنسا الاقصادية والسياسية من مشروع انخراطها في الوحول اللبنانية، لكنها كانت بمثابة خشبة انقاذ جديّة ومتاحة، ولا تحتاج سوى لبعض التنازلات لكي تنتقل من الورق الى أرض الواقع، وإذ بالقوى اللبنانية ترفسها برجليها من دون أن يرفّ لها جفن.
في الشكل، توحي الأطراف السياسية بأنها تتعامل مع الأزمة وكأنّها عابرة، سرعان ما ستنزاح غيومها في لحظة تفاهم اقليمية لتعود الأمور الى نصابها الطبيعي، فتراهم يغلّبون مصالحهم وحساباتهم الضيقة على أي شيء آخر. جلّ ما يهمهم هو طبيعة الكراسي وموازنات الحقائب وعدد الملفات الخدماتية التي تحويها. أما غير ذلك، فلا يعنيهم.
ولكن في العمق، تدرك هذه الأطراف أنّ افلاس الخزينة العامة وانحلال النظام المصرفي ووقوع النظام الاقتصادي في هوّة الركود، ستقود حكماً الى انحلال النظام السياسي. أما الجواب عن توقيت هذا التغيير وانتهاء المرحلة الانتقالية، فلا يزال مجهولاً. ولكن من المؤكد أنّ الجميع يستعد لمرحلة ما بعد اتفاق الطائف.
ولهذا تحاول القوى السياسية ملء الوقت الضائع بمعارك تحسين الشروط والمواقع. يسود الاعتقاد، وعلى سبيل المثال أنّ كل ما يقوم به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في محاولاته لتأليف "حكومة المهمة"، هو تعويض كل الخسائر التي تعرض لها منذ صياغة اتفاق الدوحة في العام 2008. هو مقتنع أنّها لحظة مصيرية يخشى الجميع من هولها وفظاعة دمارها اذا ما لم يوضع حدّ للتدهور الدراماتيكي، ولهذا يسعى لتوظيفها بشكل يحسّن موقعه ومكانته في الخريطة الجديدة. وفق معارضي الحريري، هو يعرف تماماً كيف تؤلّف الحكومات وما هي التوازنات النيابية التي تحكم المعادلة الحكومية، لكنه يتجاهلها عن قصد، لاعتقاده أنّ بامكانه استغلال الفرصة واقتناص ما يمكن اقتناصه من مواقع وزارية، من الحصة المسيحية طبعاً، لنسف كل القواعد التي تم تكريسها منذ انتخابات 2009، وخصوصاً بعد انتخاب ميشال عون، الرئيس الأقوى تمثيلاً، رئيساً للجمهورية.
وفق المتابعين، هذه هي الاعتبارات التي تدفع رئيس الجمهورية الى التمسك بالعرف المعتمد في تأليف الحكومات، وهي ليست مسألة ثلث معطل أو عدد أو نوعية الحقائب، وانما هي الخشية من الاطاحة بكل ما تمّ تحقيقه وانجازه منذ سنوات تحت عنوان حقوق مسيحية مستعادة. ولهذا تراه يصرّ على القواعد الكلاسيكية في التأليف على قاعدة وحدة المعايير التي تعاطى رئيس الحكومة معها وفق مكيالين، كما يقول معارضوه. ما يعني أنّ رئيس الجمهورية لن يتراجع تحت ضغط الأزمة ولا تحت وطأة الحملة التي يقودها "المستقبليون".
ساعات قليلة ويحلّ العام الجديد، لتُستأنف المشاورات الحكومية. ستكون لعبة عضّ الأصابع ذاتها. فيما ناقوس الخطر يقرع من كل حدب وصوب... ولا من يسمع أو يستجيب.