اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في رسالة الجمعة، "أننا نعاني اليوم في بلدنا، عقودا من الفساد والطغيان، مارسته عصابة مالية سياسية احتكرت كل شيء، وحولت البلد إلى مزرعة منهوبة، وصادرت الثروات الوطنية والأملاك العامة، وأرهقت الخزينة بمديونية كبرى، الأمر الذي أوصلنا إلى كارثة اجتماعية وفقر شامل وتفلت وجريمة تكاد تبتلع لبنان"، مشيرا إلى أننا "الآن في قلب البركان، والرابح الأكبر هو من نهب البلد، أي ما نسبته 1%، أما الخاسر الأكبر فهو الشعب المنهوب من قبل السلطة التي نخرها سوس الإقطاع والصفقات".
وقال قبلان: "نحن على حافة السكين، كما يقال، وعلى الرغم من حجم المأساة وفظاعة الجريمة المرتكبة بحق لبنان واللبنانيين، لا تزال هذه المنظومة السياسية تكابر وتتنكر وتتنصل من المسؤولية، لا بل نراها في كثير من الأحيان تناظر بالعفة، وخصوصا في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وتدعو إلى المحاسبة والتدقيق الجنائي ومحاكمة الفاسدين، وتتلهى بالقشور، فيما الناس جوعى، الناس "عم تشحد"، الناس "ناطرة الكراتين"، الناس "بدها رغيف خبز وحبة دواء، بدها تعرف البلد "لوين رايح"؟.
وتابع: إلى أين تأخذون الناسب بهذه السياسات التي لا ضمير ولا رحمة فيها، ولا علاقة لها بأي مسؤولية وطنية وحتى أخلاقية، لبنان يغرق وأنتم لاهون ولاهثون وراء منصب وزاري لهذا الفريق أو لذاك، العالم بأسره يدعوكم لتشكيل حكومة، وأنتم ما زلتم مشغولين بتقسيم الحصص، حصص من؟ ولمن؟ فمن أنتم حتى تتقاسموا المكاسب والمناصب؟ من أنتم حتى تنهبوا البلد وتسرقوا أحلام الناس وآمالهم؟".
اضاف: "أيها المسؤولون، أيها الحكام، من اعتز بمنصبه فليتذكر فرعون، ومن اعتز بماله فليتذكر قارون، ومن اعتز بنسبه فليتذكر أبا لهب، كلكم إلى زوال، والمطلوب واحد، هو حقوق وأموال الناس وتحرير موارد الدولة من سطوة أياديكم وأزلامكم وشركائكم في عمليات السطو والتهريب والتهرب واقتسام المال العام وتوزيع أملاك الدولة".
وشدد المفتي قبلان على أن "المطلوب اليوم وليس غدا، هو التخلص من هذا الخبث السياسي، ومن هذه الأقنعة المستعارة. كلكم أجرمتم، وكلكم مسؤول عما جرى، وعما وصل إليه البلد. نعم الكارثة وقعت، والليرة تلفظ أنفاسها، والفقر أصبح شاملا، بفعل لصوص الهيكل، فهل من عاقل؟ وهل من يمنع غرق السفينة بمن فيها وما فيها؟ وهل هناك من يصارح اللبنانيين ويوقف هذا الدجل السياسي، وهذا الامتهان الوقح لسلطة تتفنن في إفقار شعبها وتدمير بلدها، وتهجير أبنائها، تحت عناوين حقوق الطوائف وتوازنات المذاهب! وكأن مصير البلد متوقف على "كم" وزير لهذا الفريق أو ذاك، أو على "كم" وزير هو عديد الحكومة، لماذا كل هذا النفاق على اللبنانيين!".
وقال: "اعترفوا، اعترفوا، أنكم فاشلون وفاسدون وغير مؤهلين لبناء دولة، أنتم طائفيون بامتياز، والدول لا تبنيها الطائفية، بل تبنى بالعدالة والمواطنية والكفاءة وخدمة الناس أولا وأخيرا، فهلا خجلتم ولو قليلا أمام أخطائكم وإجرامكم بحق هذا البلد! كفوا عن امتهانكم سياسة الكيد والثأر ورمي الكرة في ملعب الغير! كلكم يدعي البراءة من دم هذا الشعب، الذي نكب على مدى مائة سنة، ولا تزال المحنة مستمرة، والنكبة تتدحرج، والدولة تتحلل، والقضاء حدث ولا حرج في الفساد، فكيف يحاكم أهل الفساد!".
وتوجه قبلان الى السياسيين بالقول: "إن المخاوف تزداد، وحجم المخاطر يكبر، وآفاق الحلول أنتم تقفلونها، إما ارتهانا للخارج، أو وثنية لأناكم، أو لكم فيها مآرب أخرى، لطف الله بنا منها. والخشية من انفلات الشارع، وخروج الناس شاهرة سيف الجوع، سيما وأن الحديث عن رفع الدعم وصل إلى مرحلة متقدمة، ونخشى أن يصبح واقعا، الأمر الذي قد يخرج الأمور عن السيطرة، ويدخل لبنان في نفق مظلم وخطير جدا، لا يعلم نتائجه إلا الله".
وطالب "بتغيير جذري، لأن من يأتمن اللص على وطن يغامر بذبح الوطن وضياعه، خصوصا وأننا على مسافة قريبة من قرب الانهيار الاقتصادي التجاري وسط بركان اجتماعي ربما يدفع بالشارع إلى تضييع البلد والناس".
من جهة ثانية، أسف قبلان لأن "بعض الجامعات الخاصة التي عاشت على ابتلاع المال رفعت أقساطها بشكل معيب، وهناك جامعات ستتبعها برفع الأقساط وسط انهيار هائل بقدرة الأهالي على دفع أقساط أبنائهم دون أي أثر لما نسميه دولة وإدارة كوارث".
وطالب المفتي قبلان "بالاتفاق سريعا ومن دون تأخير أو أعذار أو توريات أو خلفيات طائفية أو مذهبية أو سياسية على ولادة الحكومة، لأن الأوضاع وصلت إلى طريق اللاعودة، ولم يعد مقبولا ولا بأي شكل من الأشكال استمرار هذا الاشتباك على الأسماء والحصص الوزارية، لأن ما وصلت إليه البلد لم يعد يقبل أي عذر أو أي حجة، فالحل الوحيد هو بتشكيل حكومة إدارة كوارث وإنقاذ، فلا تناوروا ولا تزايدوا ولا تساوموا ولا تتماحكوا، لأن الشارع إذا خرج عن صبره فلن يكون منضبطا، وهذا ما نحذر منه، سيما أن هناك من يستثمر في هذه الأوضاع تماهيا مع التطبيع العربي الإسرائيلي، وهذا أكبر المخاطر على لبنان. لذلك، المطلوب أن نتدارك النار قبل انفلاشها من أقصى لبنان إلى أقصاه".