راكيل عتيّق
لم يعمد أيّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو الرئيس المُكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري الى إبلاغ «حزب الله» أنّ هناك «فيتو» أميركياً على تمثيله في الحكومة، أو طلباً صريحاً من واشنطن بعدم إشراكه في التشكيلة الوزارية، بحسب ما تؤكّد مصادر قريبة من «الحزب». وما زال «الثنائي الشيعي» ينتظر اتفاق عون والحريري على شكل الحكومة العتيدة وتوزيع المقاعد الوزارية وحسم الحصص، لا سيما منها الحصّة المسيحية، لكي يُسلّم أسماء شخصيات شيعية غير حزبية الى الحريري، ليختار من بينها وزراء في حكومته الجديدة.
على رغم تيقُّن «حزب الله» من الضغط الأميركي المتعدّد الوسائل والأساليب والوسائط لتحجيم وجوده وتمثيله في الحكومة المُرتقبة، فضلاً عن تقليص حجم تمثيل حلفائه لا سيما منهم عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، إلّا أنّه ما زال يعتبر أنّه ليس «العقدة» الحكومية الحالية، ويؤكّد أن «لا مشكلة بيننا وبين الحريري».
وتُلخّص مصادر مُطّلعة العقدة التي تحول دون تأليف الحكومة، بالقول: «فتشوا عن الدور الأميركي»، خصوصاً عبر سفارة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، معتبرةً أنّ واشنطن وراء «عناد» الحريري حيال رفضه أن يُسمّي عون الوزراء المسيحيين في الحكومة الجديدة، وذلك ضمن وسائل الضغط غير المباشرة التي تستخدمها الإدارة الأميركية الحالية على «الحزب»، عبر استهداف حلفائه، إمّا لإبعادهم عنه أو لإضعافهم، وبالتالي إضعاف «الحزب»، في مقابل تأكيد قريبين من الحريري أنّه يعمل على تأليف حكومة وفق المبادرة الفرنسية فقط.
كلّ هذا يجري وسط ترقٌّب «الحزب» وانتظاره، وهو لم يُسلّم الحريري أسماء الوزراء الذين سيمثلونه في الحكومة، ولن يفعل ذلك قبل أن يتفق الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية. لكن سبق أن تداول الحريري و»الحزب» في «المبادئ العامة» لهوية الحكومة، وجرى الاتفاق على أن يكون الوزراء غير حزبيين بنحوٍ تام، فضلاً عن آلية التوزير.
وفي حين أنّ «الحزب» يعي دقّة المرحلة الفاصلة بين خروج الرئيس الجمهوري دونالد ترامب من البيت الأبيض وتسلُّم الرئيس الديموقراطي المُنتخب جو بايدن الحُكم، وما قد تحمله هذه المرحلة من أحداث، يقف منتظراً، من دون التراجع عن أي «حق أو نفوذ مُكتسب»، إن من خلال «شرعيته الشعبية» أو عبر «انتصارات المقاومة» ومحور الممانعة. كذلك يتسلّح «الحزب» بإقتناع أوروبي أن لا حكومة «بتمشي» بلا مشاركة «حزب الله» أو «رضاه» عليها، ويتمثّل موقف الأوروبيين بما أكّده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرّة لجهة أنّ «حزب الله» مُنتخب وجزء من النظام السياسي اللبناني». كذلك يُراهن «حزب الله» على تراجع الأميركيين «خطوة الى الوراء» لجهة الانتقال من الحديث عن رفض التعامل مع حكومة يتمثّل فيها «الحزب» الى الحديث عن رفض حكومة «يُهيمن» عليها».
وانطلاقاً من «الضغط الأميركي المستمرّ على عون وباسيل، وتركيز واشنطن الآن على الضغوط غير المباشرة على «حزب الله»، تعتبر أوساط في فريق 8 آذار، أنّ «الحكومة لن تُبصر النور قريباً إلّا إذا تراجع الحريري، إذ إنّ رئيس الجمهورية لن يخضع ولن يتراجع ولن يقبل بأن لا يكون له دور في تأليف الحكومة بنحوٍ عام، وبتسمية غالبية الوزراء المسيحيين، إدراكاً منه للأهداف الحقيقية وراء دفعه الى التنازل، فما لم يُنتزع منه عبر العقوبات الأميركية على باسيل لن يتنازل عنه حكومياً».
وعلى رغم رغبة «حزب الله» في ولادة حكومة سريعاً، تراعي التوازنات في البلد والتمثيل النيابي، انطلاقاً من أنّ «لا مصلحة» له في الفراغ الذي إذا طال قد يؤدّي الى فوضى، بعكس ما يُسوّق البعض، وعلى رغم اعتباره أنّ الحريري يجب أن يقبل بأن يُسمّي عون أسماء الوزراء المسيحيين، لا أن يكتفي بعرض أسماء عليه والقول له: «وافق عليها»، إذ من حق رئيس الجمهورية أن يُسمّي الوزراء المسيحيين أو الثلثين منهم أقلّه، فـ»إمّا أحدٌ لا يُسمّي أو الجميع يُسمّون»، إلّا أنّ «الحزب» ما زال حتى الآن ممتنعاً عن التدخُل بأي طريقة دفعاً لتحوُّل ما حكومياً. هذا لأنّ «حزب الله» لا يريد إحداث «مشكل»، إذ إنّ البلد لا يتحمّل، بل إنّه «يطرّيها» بقدر الإمكان، بحسب مصادر قريبة منه، وهو سبق أن قبل، بهدف التسهيل، بعدم تمثُّله في الحكومة بوزراء حزبيين، على رغم اعتبار الأميركيين أنّ هذا إنجازاً لهم.
لكن على رغم الضغوطات كلّها، المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن العقوبات إن على إيران أو على «حزب الله» وحلفائه، ناهيك عن الوضع المذري الذي وصل اليه لبنان، في مقابل اتفاقات السلام والتطبيع بين الدول العربية واسرائيل، وما سينتج منها من تعاون سياسي واقتصادي على حساب بيروت، إلّا أنّ «حزب الله» لن يتراجع عن «المقاومة» بالأسلوب الذي يعتمده، بل إنّه يعتبر أنّ مصر والأردن أبرز مثالين على «فائدة السلام» مع اسرائيل، ويرى أنّ «المطبّعين» سيخسرون، وذلك وفق قاعدة: «wait and see».