خالد أبو شقرا
"حبل" الدعم كان قصيراً. والحقيقة المرة توجب على المسؤولين مصارحة اللبنانيين بأن كل حلول "مط" الدعم على حساب المودعين توصلنا إلى حقيقة واحدة، مفادها: إنقطاع الحبل، إن لم يكن اليوم، فغداً أو بعده على أبعد تقدير. ومن بعدها على المواطنين تحديد مصيرهم أو مصير المسؤولين.
"لم يعد هناك من حل"، يقولها أمين عام اتحاد البورصات العربية د. فادي خلف. منطلقاً من ان "لبنان دفع على الدعم خلال هذا العام أكثر بكثير مما كان منتظراً من تدفقات نقدية من صندوق النقدي الدولي. حيث تراجع احتياطي العملات الاجنبية في مصرف لبنان منذ بداية 2020 بما قيمته 12 مليار دولار. أما التعويل على أموال سيدر المقدرة بـ 11 ملياراً، فيقابله خروج ما لا يقل عن 8 مليارات دولار سنوياً من لبنان على شكل تدفقات نقدية خارجة". ولم يبق إذاً أمام المسؤولين إلا "تشليح" مدخرات المواطنين بالعملات الأجنبية المدخرة في المنازل من خلال، "تجريم هذا السلوك واعتباره إثماً" بحسب خلف. "والسلبطة على ما تبقى من احتياطي المودعين في مصرف لبنان والمقدرة بحسب الحاكم بـ 17.6 مليار دولار. وكأننا أصبحنا في نظام شيوعي تنتفي معه الملكية الخاصة وتوزع على كافة الشعب".
مسرحية "السراي"
المضحك المبكي في "مسرحية" السراي الحكومي المستمرة منذ أمس الأول هو صدمة الوزارء المعنيين من توقف الدعم، وكأن الأزمة "بنت ساعتها"، يقول رئيس المرصد اللبناني لمحاربة الفساد شارل سابا. "وليست مفتعلة، والطبقة السياسية تجرجرها خلفها منذ نهاية العام الماضي، حين أصبح الإنهيار الاقتصادي ومن بعده الإجتماعي أمراً محتماً". فمنذ إعلان الدولة التخلف عن تسديد ديونها في آذار الفائت، كان من المنتظر انجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خلال 3 أشهر، أي في منتصف العام الحالي كحد أقصى. ومن بعدها بأشهر قليلة يفرج "الصندوق" عن المساعدات المالية، التي كان من المفترض ان تترافق مع إصلاحات تصاعدية في القطاع العام والكهرباء والاتصالات ونظام المشتريات وهيكلية القطاع المصرفي وتخفيض العجز في الموازنة إلى أقل من 100 في المئة من حجم الدين العام. ولكن الذي حصل فعلياً هو ان الدولة لم "تميّع" كل المطلوب منها فحسب، إنما "عجزت عن التوصل إلى آلية صحيحة تحدد العائلات الأكثر فقراً لايصال الدعم لها" يقول سابا. "وعوضاً عن ذلك يضعوننا اليوم بين السيئ والأسواً. فاما ان نسطو على ما تبقى من اموال المودعين، أو نرفع الدعم ونلجأ الى حلول لا تقل كلفة عن القدرة الشرائية مثل طباعة الأموال".
600 مليون دولار لشهرين
حسبما يظهر ان العمر المقدر لـ "جنازة" الدعم "الحامية" في السراي هو شهران فقط. وسقفها تخفيض الدعم بمقدار النصف، أي إلى 300 مليون دولار شهرياً، تكفي لتغطية مصاريف شهري كانون الأول وكانون الثاني. ليصار بعدها إلى تمويل البطاقات المعيشية بقيمة مليون ليرة للأسر الفقيرة من طباعة العملة. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من استلام لبنان شحنة أموال جديدة بوزن 24 طناً. فلا وزارة المالية لديها فائض الواردات لتمويل الانفاق الاجتماعي ولا مصرف لبنان يتجرأ على المس بالـ 17 مليار دولار، هذا إذا كان هذا المبلغ موجوداً بالفعل لا بالقول. وعليه فان الموازنة الاجتماعية للعام 2021 التي حكي عنها، ستموّل بطباعة النقود، مع كل ما تحمله هذه الخطوة من انعكاسات تضخمية تلحق لبنان بفنزويلا لجهة انهيار قيمة العملة الوطنية.
ما سيحدث في لبنان خلال السنوات القادمة على صعيد سعر الصرف سيكون بالغ الخطورة. "فقياساً على الأزمات السابقة، التي كانت أخف وطأة وأقل تعقيداً، ارتفع الدولار مقابل الليرة بين العامين 1982 و1992 أي في خلال 10 سنوات فقط، بمقدار 735 ضعفاً". وإذا طبقنا ما جرى في تلك الحقبة على سعر الصرف الحالي المحدد بـ 1515 ليرة، تكون النتيحة ان كل دولار قد يساوي مليوناً و113 الف ليرة بعد فترة محددة.
ولكن هل من الممكن الوصول إلى هذا الدرك من الإنهيار؟
"المؤسف ان الوضع الإقتصادي في تلك الحقبة كان أفضل بأشواط من اليوم" يجيب خلف. "فالقطاع الخاص وقتها كان قوياً والمصارف كانت مليئة، لدرجة ان احد المصارف الذي أطلقت عليه شائعة بالافلاس سحب أمواله بالعملة الأجنبية من المصارف المراسلة في الخارج ووضعها رزماً على الصناديق في فروعه، وسمح لكل مشكك ان يسحب أمواله ويقفل حسابه. وكانت فوائض الاموال تتدفق على لبنان رغم الحرب بسبب قوة القطاع المصرفي والسرية المصرفية. أما اليوم فالوضع أسوأ بكثير على كل المستويات". ومن المنتظر بحسب خلف ان "يتراوح سعر الدولار في العام 2021 بين 13 و20 الف ليرة، وذلك بالاستناد إلى تقديرات مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي IFC والتي قدرت ان يصل سعر الدولار العام القادم الى 14 الفاً و500 ليرة. على ان يصبح السحب في المصارف حوالى 8 آلاف ليرة. هذا الامر سيؤدي بحسب خلف "إلى انهيار الحد الأدنى للاجور ليصبح بحدود 50 دولاراً".
المخيف بحسب خلف ان ذروة الأزمة لن تكون في العام 2021 كما يتوقع الكثيرون، لتبدأ بعدها الآثار السلبية بالانحسار، انما في العام 2023. وهو ما يدل على ان مسار الازمة طويل جداً، ولا مخارج حقيقية وجدية تحاك لغاية اللحظة. وبرأي شارل سابا ان كل ما يجري اليوم هو كسب للوقت بسياسات "تخدير" المواطنين.