هديل فرفور
نحو خمسة ملايين دولار أميركي، تُقدّر الكلفة التشغيلية للمُستشفيين الميدانيين اللذين قدّمتهما دولة قطر هبة لمساعدة لبنان على كبح وباء كورونا الذي وصل إجمالي ضحاياه، أمس، إلى 1115، مع إعلان وزارة الصحة 16 وفاة جديدة. ومع الاعلان عن 984 إصابة (18 وافدة) يرتفع عدد المُصابين الفعليين إلى أكثر من 48 ألفاً، 946 منهم يُقيمون في المُستشفيات، بينهم 385 في حال حرجة، فيما يعود العدد الذي يقل عن المعدل المعتاد للإصابات اليومية إلى انخفاض معدلات الفحوصات لإقفال كثير من المختبرات أبوابه أيام الآحاد.
حتى الأسبوع الماضي، كانت تقديرات وزارة الصحة تُشير إلى وجود 90 سريراً للعناية الفائقة فقط شاغرة، في سياق يوحي باشتداد الضغط على القطاع الصحي والاقتراب من السيناريو الأسوأ، حيث اللجوء إلى «المُفاضلة» بين المرضى وانتقاء «الأوْلى» منهم، ما يعني تالياً اشتداد الحاجة إلى الأسرّة الإضافية.
قبل نحو شهر، في 11 تشرين الثاني الماضي، وصلت طائرتان تابعتان للقوات الجوية الأميرية القطرية تحملان مُستشفيين ميدانيين لمنطقتي صور وطرابلس سعة كل منهما 500 سرير، بهدف «دعم جهود الدولة اللبنانية في مكافحة فيروس كورونا ولسدّ النقص في المُستشفيات»، على أن يكونا تحت إشراف وزارة الصحة العامة بالتنسيق مع الجيش. وبسبب التأخير في إنشاء المستشفى الميداني في طرابلس، لبّى العشرات أمس دعوة إلى التظاهر أمام وزارة الصحة «استنكاراً للمُماطلة في تركيب المُستشفى الميداني (...) والانحياز السياسي للوزير وتفضيله تركيب المُستشفى في صور دون تركيبه في طرابلس».
وزير الصحة حمد حسن، من جهته، نفى أن يكون المُستشفى الميداني في صور قد بوشر تشغيله، وأوضح الأسباب التي حالت دون تركيب المُستشفيين حتى الآن، إذ «إن التجهيزات التي وصلت لا يمكن أن تؤدي إلى إنشاء مُستشفى، وهي عبارة عن أسرة عادية غير صالحة للعناية الفائقة، يُمكن استخدامها في حال تفاقم الوضع جدّاً». وأشار إلى أنه «أمام خيارين: إمّا طلب تجهيزات متخصصة كي يصبح المُستشفيان ملائمين لحاجاتنا، أو إنشاؤهما كما هما ما يجعلهما عرضة للتلف». وأوضح أن الوزارة طلبت تمويلاً لكل التجهيزات اللازمة من البنك الدولي عبر منظّمة الصحة العالمية، «لكن البنك الدولي لم يتجاوب بعد». وبحسب حسن، فإنّ كلفة التجهيزات المطلوبة ليصبح المُستشفيان مجهزين لاستقبال مرضى العناية الفائقة تصل إلى 5 ملايين دولار، فضلاً عن «الكلفة التشغيلية وكلفة الطواقم الطبية».
الجدير ذكره أن اللجنة الخاصة المعنية بدراسة خيارات المواقع اللازمة لتشييد المُستشفيين توصّلت إلى أن من الأفضل إنشاءهما إلى جانب مُستشفيين موجودين، حكوميين أو خاصين، ليكونا بمثابة توسعة لهما. حسن في معرض الردّ على الاتهام السياسي بـ«تعمّد تهميش الشمال»، أشار الى تجهيز مُستشفى طرابلس الحكومي بأربعين سريراً للعناية الفائقة من خلال هبة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، «وما زالت غير مُستخدمة كلها بعد».
وبعيداً عن المزايدات السياسية، تعني هذه المُعطيات، عملياً، أنه لا يمكن التعويل على المُستشفيات الميدانية في ظلّ غياب الوسائل اللازمة لتشغيلها، سواء على صعيد تأمين الكلفة المادية أو على صعيد الطواقم الطبية التي تعاني أساساً من تحديات جمّة، ما يُحتّم إما تكثيف الضغط على المُستشفيات الخاصة لزيادة عدد الأسرة والوفاء بالوعود التي أطلقتها خلال فترة الإقفال لقاء حصولها على مطالبها (رفع كلفة المريض الواحد ودفع جزء من مستحقاتها المتراكمة)، وإما الاستمرار في تجهيز المُستشفيات الحكومية، الملاذ الأوحد في ظل الانهيار الصحي الكبير الذي تشهده البلاد.