بالشكل، سيكسر الرئيس سعد الحريري اليوم الجمود الذي كان مسيطراً على المشهد الحكومي. وبعد أيام طويلة من الانتظار، يتوقع أن يقدم تشكيلة حكومية يدرك أنها لن تبصر النور إن كانت تشكيلة أمر واقع. لكن مع ذلك، فإن خطوته تلك التي تصنف في خانة «اللهم إني حاولت»، لا يمكن عزلها عن الزيارة المتوقعة للرئيس الفرنسي إلى لبنان أو عن التحرك الأميركي - الألماني لوراثة المبادرة الفرنسية
بعد ظهر اليوم، يزور الرئيس سعد الحريري قصر بعبدا. سيدخل من الباب الرئيسي، لإضفاء طابع رسمي على الزيارة. ويرجّح أن يحمل بيده تشكيلة، بصرف النظر عما إذا كانت مكتملة أو لا. ثمة روايتان. الأولى تؤكد أنه سيعرض على رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، تشكيلة أمر واقع من ١٨ وزيراً، والثانية تشير إلى إمكان عرضه بعض الأسماء الجديدة التي تضاف إلى الأسماء التي سبق أن طرحها على رئيس الجمهورية. الحديث عن تشكيلة الأمر الواقع يشكل عملياً تأكيداً لرفض التشاور مع ميشال عون بالأسماء المسيحية. ولذلك، تحديداً، لم يسلّم ثنائي حزب الله وأمل أيّ أسماء للحريري، لا بل إنه بدا واضحاً أن حزب الله لن يسلّم الأسماء قبل أن يتفق الحريري مع رئيس الجمهورية، لأنه «لن يسمح بالاستفراد بعون».
مع ذلك، فإن في قصر بعبدا ارتياح إلى قيام الرئيس المكلف بواجبه الدستوري، بدلاً من المراوحة التي تميّزت بها المرحلة الماضية. خطوة الحريري يفترض أن تفتح الباب الدستوري أمام رئيس الجمهورية للنقاش في الأسماء والحقائب، تمهيداً لتوقيعه على مرسوم التأليف. وهنا، إذا لم يجرِ التعاون بين الطرفين لإنجاز التشكيلة، فإن المحاولة ستنتهي إلى عودة كل طرف إلى التمسك بشروطه.
من جهة أخرى، وبصرف النظر عن النتيجة المتوقعة، يُنظر إلى خطوة الحريري بوصفها جزءاً من تحرك لبناني يستبق زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ما مدى نجاح هذه الخطوة؟ ذلك ينتظر لقاء اليوم وما سيليه. كذلك لا يمكن عزل الزيارة عن الاجتماع الذي يعقد اليوم في مقر الاتحاد الأوروبي، بهدف بلورة مبادرة أوروبية ترث المبادرة الفرنسية تجاه لبنان.
سبق أن تردد في أوساط الحريري أن هذه المبادرة تأتي كخلاصة تنسيق ألماني أميركي بالدرجة الأولى، يتعامل مع المبادرة الفرنسية بوصفها عاجزة عن تلبية متطلبات وشروط دعم لبنان. وهذه المبادرة التي تعوّل عليها مصادر معنية بالتأليف لإحداث ثغرة في المراوحة المستمرة، تواجه معضلة أساسية، هي اعتبارها أن واحدة من سلبيات المبادرة الفرنسية أنها لم تتعامل بحزم مع حزب الله أو حتى مع إيران، التي تفتح معها باريس خطوط تواصل عديدة. السفير الأميركي في ألمانيا سبق أن كان رأس الحربة في دفعها إلى تصنيف حزب الله إرهابياً. وهو لن يكون بعيداً عن المبادرة الجديدة، علماً بأنه معروف بتشدّده وتطرفه في التعامل مع ملف إيران وحزب الله. لكن ما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها المبادرة الجديدة؟ تؤكد مصادر مطلعة أن أي مبادرة عنوانها المواجهة مع حزب الله ستكون محكومة بالفشل مسبقاً. يدرك الفرنسيون أن العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس كانت نتيجتها التشدّد مع الرئيس المكلف مصطفى أديب، كما يدركون أن فرض العقوبات على الوزير جبران باسيل أسهم في تشدد التيار الوطني الحر. ولذلك، فإن أي مبادرة تهدف إلى عزل حزب الله لن تكون بعيدة عن المصير نفسه.
بحسب وثيقة دبلوماسية وصلت إلى الخارجية اللبنانية، فإن فرنسا التي لم تكن تحمل أي خطة بديلة للبنان، اقتنعت بأن «الخطة الوحيدة المتبقية هي انتظار الانهيار الكلي للبنان مالياً واقتصادياً، وذلك لإرغام الأطراف كافة على الجلوس معاً للنظر في ما يمكن القيام به في مرحلة ما بعد الانهيار». على الأرجح هذا السيناريو كان مقنعاً لكثر في الداخل. لكن هل المبادرة الجديدة تبني على الفرضية نفسها؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الافتراض المسبق سيكون الاستفادة من هذا الانهيار للوصول إلى نتائج لم تكن ممكنة قبلاً، في السياسة قبل الاقتصاد. إذا تبلورت هذه المبادرة اليوم، فقد تكون آخر محاولات إدارة ترامب لفرض تصورها للحلول في المنطقة. وهذا قد يكون كفيلاً بعدم تجاوب المتضررين من سيناريو، قرر التحالف الألماني الأميركي سلفاً توجيهه ضد فئة من اللبنانيين.