مريم مجدولين لحام
جرت العادة في لبنان، عند الحاجة إلى اتخاذ خيار إنقاذي، أن يُنقل من يقود الجيش إلى رئاسة الجمهورية. فمن أفضل ممن يرأس العسكر منقذاً للوطن ووحدة أبنائه وأراضيه؟ أما اليوم وفي خضم الصراع الوجودي للبلد ككل، في ظل الإنهيارات المتتالية على الصعيد الإقتصادي والواقع الإجتماعي، رُفع الغطاء عن قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومجموعة من كبار الضباط من معاونيه في قيادة الجيش والمخابرات وتم استدعاء من كانوا "رموزاً للجمهورية" إلى القضاء لتبرير ثرائهم المبالغ به!
يقال أن قهوجي، الذي مُدِّدت ولايته قاد الجيش بين 2008 و2017، والضباط السبعة المتهمون، قد "عرفوا كيف يُديرون تناقضات البلد"، إذ اعتبروا من مناصبهم السابقة حليفاً أساسياً للولايات المتحدة الأميركيّة، التي تحصر دعمها للبنان بالمؤسسة العسكرية والأمن ومصرف لبنان، وبالوقت نفسه حافظوا على علاقة متينة بـ"حزب الله". ومن هنا تطرح الأسئلة... هل اكتشف ضلوعهم في عمليات إثراء غير مشروع فجأة، أم أن فتح الملف في هذا التوقيت هو لغاية "ضغط سياسي" لإرضاء "ماكرون"، أو لدواعٍ مسرحية بعنوان "انظروا الينا يا مجتمع دولي ونحن نحارب الفساد"؟
بعد أربعة أيام، تحديداً في التاسع من كانون الأول، سيمثل المتهمون بالإثراء غير المشروع، أمام قاضي التحقيق في بيروت للاستماع إلى إفاداتهم بعد أن ادّعى عليهم النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زياد أبو حيدر، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا كي يستجوبهم حول ما يبدو أنه "تبديد أموال وإهدار المال العام، لمنافع شخصية ومادية واستغلال نفوذ وسلطة"، وليسألهم من أين لهم كل هذه العقارات، والشركات، والأموال الطائلة. فقد تبين أن لقهوجي "38 عقاراً"، منها عقاران باسمه وباسم زوجته وأولاده "36 عقاراً"، أما لمدير مكتبه العميد محمد جعفر إبراهيم الحسيني "70 عقاراً"، باسمه "21 عقاراً" وباسم زوجته وأولاده "49 عقاراً"، ولمدير المخابرات الأسبق العميد كميل نصار ضاهر "عقارين" الأول باسمه والثاني باسم زوجته، ولمدير المخابرات الأسبق العميد إدمون أنطونيوس فاضل "24 عقاراً"، باسمه "9 عقارات" وباسم زوجته وأولاده "15 عقاراً"، ولمدير عام الإدارة اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي "123 عقاراً"، باسمه "117 عقاراً" وباسم زوجته وأولاده "6 عقارات"، ولمدير فرع مخابرات بيروت العميد جورج خليل خميس "15 عقاراً"، باسمه "11 عقاراً" وباسم أولاده "4 عقارات"، ولمدير فرع مخابرات الشمال العميد عامر عبد الهادي الحسن "47 عقاراً" باسمه "41 عقاراً" وباسم زوجته وأولاده "6 عقارات"، وللرائد في الأمن العام أحمد محمد الجمل المعروف بسمسار المدرسة الحربية، وهو المتهم بملف "التعيينات مقابل دفع الأموال وتقاضي رشى لتأمين وضمان دخول تلامذة ضباط إلى المدرسة الحربية"، لديه "6 عقارات" كلها باسمه ناهيك عن حركة حسابه عن عام واحد وقد بلغت 18 مليون دولار أميركي.
كأحجار "الدومينو" ما أن يُطرح اسم حتى تقع وراءه سلسلة من الأسماء، الواحد تلو الآخر. وبعد ظهور أسماء المتهمين هذه المرة، أفاد مصدر قضائي "نداء الوطن" أنه قد سقط مع أحجار المتهمين "بنك التمويل" المملوك جزئياً وبشكل غير مباشر من مصرف لبنان عبر شركة "انترا"، الذي أعفى "حركة المحرومين" من التصريح عن إيداعات حتى سقف 9 ملايين دولار، ومنح المتهم الأول في ملف الإثراء غير المشروع، العماد جان قهوجي، حق إيداع مليون و200 ألف دولار في كل حساب من الحسابات المشتركة بينه وبين أفراد عائلته، وهو ما يفتح الباب أمام ملفات التجاوزات التي تحصل في هذا المصرف "المرعي سياسياً" والمحسوب من حصّة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويشير أيضاً إلى تقاعس لجنة الرقابة على المصارف عن تأدية دورها في منع هكذا قرارات لاقانونية اتخذت تحت إشراف مجلس إدارة المصرف، للتغطية على حركة أموال مشبوهة للتنصل من المراقبة والمحاسبة.
في السياق يقول المحامي وديع عقل، الذي فضح أهم المستندات في هذا الملف، لـ"نداء الوطن" أنه في هذا التحقيق مع قيادة الجيش السابقة فرصة ذهبية وجدية في بدء التدقيق الجنائي بالطريقة المعكوسة "من تحت لفوق"، أي من المستفيدين والمتورطين "من تحت" حتى الوصول إلى الرؤوس الكبيرة التي منحت لهم الغطاء "فوق". وهناك ملف كامل وجاهز عند القاضي فادي عقيقي يظهر فيه كل الأملاك والشركات والسيارات وشبهات إثراء غير مشروع وتبييض أموال، إذا ما كانت الأموال المودعة في بنك التمويل "كاش". وأكمل شارحاً: "بما أن هناك عقبات للوصول إلى الرؤوس الكبيرة، علينا البدء بإقتلاع شجرة الفساد من صلبها. علماً أنه كان يجب على مدعي عام التمييز إحالة الملف كاملاً للنيابة العامة الاستئنافية وفقاً لمكان الإقامة، وإلزام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بوصفه رئيس هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، تسليم حركات الأموال (فهو حتى اليوم يمتنع عن تسليم الحسابات رغم وجود قرار قضائي بذلك)، ثم التحقيق مع الضباط وتوقيف المرتكبين، وذلك منعاً لتضييع وقت أمام قاضي التحقيق بدفوع شكلية، فالتذرع بهذه الدفوع الشكلية لا يُبطل التحقيقات الأولية لكونها تأسست عند القاضي عقيقي على مستندات رسمية ثابتة، ولكن، طريقة الإحالة بعد ذلك والإدعاء عرضت "قضية مكافحة الفساد" الى تأخير للعدالة. أما وحصل ما حصل نناشد اليوم استكمال التحقيق بشكل جدي وفرض تسليم الحسابات المشبوهة للتدقيق بتفاصيلها".