عماد موسى
بث الزميل زافين قيومجيان في برنامجه الصباحي على أثير "صوت كل لبنان" رسالة صوتية قصيرة من مواطن روى فيها ما حصل أمامه في سوبرماركت، وتحديداً أمام القسم المخصص للّحوم، حيث سمع متسوّقة تطلب من "اللحام" أن يقص لها قطعة الفيليه المدعوم شرحات، "كلبي هيك بيحبها". وانهالت الإتصالات منددة بأخلاق السيدة ولاإنسانيتها، فتبرّع متصل مهذب بالدفاع عن حق السيدة في شراء ما تريد من مالها الخاص وإطعامه لكلبها وفات السيد أن الحق يصبح باطلاً في زمن يشتهي أغلبية المواطنين عضة بفخذ عجل مدعوم.
لا تلام المتسوّقة المهتمة بدلال كلبها وغذائه ورفاهيته، ومثلها كثيرات في لبنان والعالم، وقد روى لي صديق ما حصل أمامه ذات يوم في أوروبا عندما لفتت عاملة الصندوق سيدة تحمل ولداً لا يتخطى عمره العامين الى أن فاتورتها تخطت ما دفعته بقليل وطلبت منها التخلي عن أحد الأغراض فنزعت من يد ابنها لوح شوكولا غير آبهة بـ"تفحيشه" بدلاً من الإستغناء عن "باتيه" الكلب! وكي لا أبدو كمصلح إجتماعي، حتى أنا، كنت في زمن الطفر الأول، أشتري لكلبتي عبوة الشمبوان الطبي بعشرة دولارات واستحم بصابون بلدي وما دون.
أعود إلى المتسوقة اللبنانية وإلى تصرّفها الذي ينمّ عن غباء لا لُبس فيه. غباءٌ محدود في إطار إجتماعي ضيق. ولو لم يطلع التسجيل على الهواء لبقيت خبرية الـ "ترانشات" مادة للتفكّه بين اللحام وزملائه على أبعد تقدير. لكن الغباء الرسمي يتجلّى في انتهاج الحكومات المتعاقبة سياسة الدعم من دون تمييز بين مواطن ميسور الحال وآخر يلازمه الفقر كخياله. والغباء أن سياسة الدعم هذه أقرب ما تكون إلى عملية رشوة من حساب الآخرين لتأخير ظهور أنياب الجوع. لقد انضمت معزوفة ترشيد الدعم وترشيقه إلى معزوفة استعادة الأموال المنهوبة وسمفونية محاربة الفساد التي تعزفها ببراعة جوقة الفاسدين.
تأخر وزراء الإختصاص كثيراً كي يكتشفوا أن دعم المحروقات (مازوت وبنزين) حرق سلّاف الخزينة وأنعش قطاع التهريب.
وأن دعم الطحين ساوى بين رغيف الفقير وبين الرقائق الصغيرة المعدّة لاستقبال الكافيار وبين العجنة المخصصة للمعكرون والعويمات.
وأن الدعم من خلال السلة الغذائية عزز نهم الأثرياء وتجار الجملة ولم يشبع الفقراء.
وأن دعم الأدوية بات مطلباً مصرياً وتركياً وسورياً قبل أن يكون مطلباً لبنانياً.
وأن الدعم من أموال المودعين هو الترجمة الحرفية لـلمثل العامي "من دهنو سقّيلو" إذا بقي على الجسم دهن وشحم.
وأن دعم اللحوم استفاد منه الجميع...حتى كلب السيدة. باسم الكلب شكراً سيد راوول.