تزامناً مع اقتراب موعد نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، التي يدعم من خلالها استيراد المحروقات والقمح والدواء، بدأ الحديث عن إمكانية توجه المصرف إلى الاستفادة من الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية الخاص بالمصارف حتى يستطيع الاستمرار بعملية الدعم.
وفي هذا الإطار أكدت مصادر مطلعة أن فكرة الاستفادة من الاحتياطي الإلزامي طُرحت في اجتماع جمع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعدداً من المعنيين، وأنه تم اقتراح خفض نسبة هذا الاحتياطي من 15 في المائة إلى 12 في المائة، لكن سلامة نفى الأمر مشيراً إلى أن «أي تخفيض لنِسَب الاحتياطي الإلزامي، لو حصل، سيعود إلى أصحاب الودائع في مصرف لبنان وهم أصحاب المصارف، وليس لأي غرض آخر».
ويمكن لمصرف لبنان «التصرف بالاحتياطي الإلزامي فالأمر لا يحتاج إلى قانون لأنه هو أساساً أمر مفروض بتعميم صادر عن مصرف لبنان يوجب أن تقوم المصارف كافة بإيداعه نسبة 15 في المائة من جميع أنواع الودائع بالعملات الأجنبية أو ما يسمى ودائع المصارف المقيمة بالدولار»، حسب ما يشرح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، مشيراً إلى أن الهدف من الاحتياطي الإلزامي مواجهة أي مخاطر تتعرض لها المصارف.
ويوضح أبو سليمان أن مثل هذا الإجراء سيعود بطبيعة الحال بتبعات سلبية على المواطنين، فهذا الاحتياطي هو تلقائياً جزء من أموال المودعين، فضلاً عن أن تحرير نسبة من الاحتياطي الإلزامي قد يؤدي أيضاً إلى تهريب مزيد من الأموال إلى الخارج.
ويُقدر حجم الاحتياطي الإلزامي بـ18 مليار دولار فيما يشير البعض إلى انخفاضه إلى 17 مليار بسبب تراجع حجم الودائع في القطاع إلى 114 مليار دولار حتى شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وتتراوح فاتورة الدعم (محروقات ودواء وقمح وسلة غذائية) شهرياً ما بين 600 و700 مليون دولار تقريباً.
وفي حال اعتماد تخفيض الاحتياطي الإلزامي بنسبة 3 في المائة (من 15 إلى 12 في المائة) لمتابعة الدعم، سيتم تحرير 3.5 مليار دولار تقريباً من الأموال التي أودعتها المصارف في البنك المركزي، ولكن هذه الأموال لن تعود إلى المصارف، الأمر الذي يشدد الخبير المالي والاقتصادي نسيب غبريل على رفضه، معتبراً أنه «في حال تم تحرير الاحتياطي الإلزامي فيجب أن يعود إلى المصارف وليس للاستفادة منه في موضوع الدعم». ويُضيف غبريل، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنه بعدما تعود أموال الاحتياطي الإلزامي إلى المصارف يمكن لها إذا طلب حاكم مصرف لبنان أن تودعها في المصرف المركزي بهدف استخدامها في موضوع الدعم، لكن الأموال يجب أن تعود إلى المصارف في حال تحريرها.
ويوضح غبريل أن الاحتياطي الإلزامي ليس لتأمين عملية استمرار الدعم، «فالمصارف المركزية في العالم تستخدم هذا الاحتياطي لسحب أو ضخ سيولة في الأسواق، وذلك عبر زيادة نسبته أو خفضها»، مشيراً إلى أن مصرف لبنان يكاد يكون المصرف الوحيد في العالم الذي يتحمل دعم المواد الأساسية، إذ إن الدعم يجب أن يكون داخلاً في الموازنة العامة وتتحمله خزينة الدولة.
ويرى غبريل أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر فيها لبنان تحتم أن تكون المسؤولية مشتركة بين المصرف والسلطة التنفيذية، لكن مصرف لبنان يتحمل وحده موضوع الدعم.
وسيتيح تخفيض الاحتياطي الإلزامي استمرار الدعم لأشهر إضافية إلا أنه يُشبه «الهروب إلى الأمام» حسب ما يرى أبو سليمان، إذ إنه في نهاية المطاف سنصل إلى طريق مسدودة بعد انتهاء نسبة الاحتياطي التي سيستفيد منها مصرف لبنان.
ومن هنا يؤكد أبو سليمان على ضرورة ترشيد الدعم عبر خفض فاتورته، ولا سيما أن الجزء الأكبر من هذه الفاتورة لا يذهب إلى الأسر الأكثر فقراً أو تلك التي تحتاج الدعم.
ومن جانبه، يُشدد غبريل على ضرورة إيجاد آلية جديدة للدعم، ولا سيما أن جزءاً كبيراً من أموال الدعم تذهب للتجار، بالإضافة إلى تهريب المواد المدعومة إلى الخارج.