الان سركيس
دخل لبنان مرحلة السوداوية السياسية بعد مرحلة من الضبابية التي كان فيها الأمل كبيراً بولادة حكومة تضع الإنقاذ على السكة الصحيحة.
لم يشكّل إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب فرصة لاستيقاظ المسؤولين ووعيهم كي يبادروا إلى تأليف حكومة سريعاً وفق شروط الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، بل إنهم سارعوا إلى حفظ حصصهم ومكتسباتهم خوفاً من التغيير الآتي، وبذلك تبقى البلاد من دون إدارة سياسية في أصعب مرحلة تمر بها وكأن هدف القابضين على السلطة إفراغ لبنان من شعبه وتهجيره وهدم أسس الدولة من أجل السيطرة على لبنان الجديد الذي لا يشبه الكيان الذي نشأ منذ العام 1920.
وفي هذا السياق، يبرز التشدّد الدولي أكثر فأكثر من ناحية الإصرار على أي حكومة قد تبصر النور لتطبيق الإصلاحات المطلوبة، وقد باتت للفرنسي والأوروبي ودول الخليج قناعة راسخة بأن الفساد مستشرٍ في كل عرق من عروق الدولة اللبنانية، لكن الفساد الأكبر والهدر موجودان في وزارات الطاقة والأشغال العامة والإتصالات.
من هنا فان هناك إصراراً فرنسياً ومن المجتمع الدولي على أن تكون هذه الوزارات في أيادي إختصاصيين مستقلين تماماً عن الطبقة السياسية، وليس إختصاصيين تختارهم الأحزاب، لذلك فان هذه الوزارات الثلاث تبقى العقدة الأساسية في التأليف وليس وزارة المال أو الوزارات السيادية.
ويشترط الفرنسي والأميركي وحتى صندوق النقد الدولي أن لا مساعدات من دون إجراء إصلاحات جذرية في هذه القطاعات الثلاثة والتي تستحوذ على القسم الأكبر من موازنة الدولة، فالهدر في وزارة الطاقة بلغ نصف الدين العام وسبّب الأزمات المالية واستنزف الخزينة، كذلك، فان التلزيمات في وزارة الأشغال كانت أم الفضائح وهي من أبواب الهدر الرئيسية، وواجب إلغاء جميع الصناديق والمجالس وعلى رأسها مجلس الإنماء والإعمار، وكان بارزاً وضع عقوبات أميركية على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس ما كشف جزءاً بسيطاً مما يحصل في هذه الوزارة "الدسمة"، في حين أن وزارة الإتصالات التي كانت تدر الأموال على الخزينة باتت تعرف بمغارة "علي بابا" نظراً للهدر الموجود فيها.
وامام عدم شعور الطبقة السياسية بالأزمة وعدم إكتراثها بمعاناة الناس، فان المعلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ستفرض في الأيام المقبلة سلة عقوبات جديدة على شخصيات لبنانية وفقاً لقانون "ماغنيتسكي" ما يعني أن هذه العقوبات لا تتعلق فقط بالتعاون مع "حزب الله" بل لها علاقة بالفساد المستشري في الدولة.
وتبدو اللهجة الاميركية تصاعدية ضد المسؤولين اللبنانيين بعد فرض عقوبات على رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل والوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، ما يؤشر الى أن الحصار على الطبقة السياسية سيستمر اميركياً.
في الموازاة فان باريس وأوروبا أصبحتا على قناعة بأن لا جدوى من التعامل مع هذه المنظومة الحاكمة ولذلك قد يلجؤون إلى فرض عقوبات أو أقله المشاركة في عزل هذه الطبقة، في حين أن دول الخليج لا تريد التعامل مع الحكم اللبناني الذي يسيطر عليه "حزب الله"، كما انها لا تريد هدر أموالها ودفع المليارات لحكومة لا تثق بها، وتعلم انها ستذهب هدراً وسرقةً.
إذاً، هناك حصار على الطبقة الحاكمة، وهذا الحصار ثلاثي من أميركا واوروبا والخليج، في حين أن الطبقة الحاكمة تتمسك بثلاثية الفساد أي وزارات الطاقة والاشغال والإتصالات وغير آبهة لما قد يحل بالبلد نتيجة المقاطعة العربية والغربية.