راكيل عتيّق
المبادرة الفرنسية ضاعت، وهناك إرادة لإبقاء لبنان في عزلة ورهينة لبعض الداخل والخارج، وبالتالي قطع أي إمكانية لمدّ خطوط له مع المؤسسات الدولية المقرضة، ما يرتبّ تداعيات على كيانه بكامله وليس فقط على الاقتصاد. هذا ما تراه مصادر سياسية عدة، منها معارضة، ومنها سمّت الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة. في المقابل، تؤكّد جهات في السلطة أنّ التأليف مرهون بكلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري واتفاقهما على أسماء الوزراء، وخصوصاً المسيحيين منهم. وتعتبر أنّ المبادرة الفرنسية لم تضيع، لأنّها عبارة عن برنامج عمل إصلاحي للحكومة، وما أن تتألّف وتتبناه وتبدأ بتنفيذه تُفعّل الورقة الفرنسية.
بعد التأخير في تأليف الحكومة بعد مرور نحو شهر على تكليف الحريري، وتجاهل كلّ العقوبات والتحذيرات الدولية، وعدم نجاح الموفد الرئاسي الفرنسي أخيراً في تذليل العقبات والدفع في اتجاه ولادة حكومية سريعة، ترى جهات سياسية، «أنّ وصولنا الى هذه المرحلة من التعطيل والتعنت، على رغم كلّ المخاطر، تظهر أنّ هناك من ينتظر المتغيّرات الدولية بعد الانتخابات الاميركية وانعكاساتها على العلاقات الاميركية - الايرانية، وبعدها يأتي دور لبنان، فالبعض جعل البلد رهينةً للمحاور الاقليمية - الدولية».
في المقابل، يؤكّد «الثنائي الشيعي»، أنّ «التأخير ليس عندنا»، وهو ينتظر اتفاق عون والحريري، ليسلّم الرئيس المكلّف أسماء الوزراء الشيعة ليختار الأنسب من بينها، وفق الآلية التي اتُفق عليها سابقاً بين الجهتين. وفي حين تمتنع دوائر القصر الجمهوري عن التصريح عن مسار التأليف، تطالب مصادر قريبة من عون بـ»اعتماد المعيار الواحد في التأليف، وتراجع الحريري عن إصراره على تسمية الوزراء المسيحيين فيما أنّ بقية الأفرقاء سيسمّون وزراءهم».
هذا الحديث غير علمي وينقصه كثير من الدقة، بحسب مصادر تيار «المستقبل»، التي تردّ على امتناع الحريري عن التواصل مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مشيرةً الى أنّ الرئيس المكلّف ملتزم المادة 64 من الدستور، وأنّه يؤلف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. وتوضح، أنّ الحريري يحدّد نوعية الحكومة والمستلزمات التي يجب أن تتأمّن فيها، لكي تتمكّن من النجاح بحسب المبادرة الفرنسية، آخذاً في الاعتبار التجارب السابقة في تأليف الحكومات، والتي أنتجت تشكيلات وزارية لم تتمكّن من الإنجاز، وأوصلت البلد الى ما وصل اليه. وتؤكّد أنّ الحريري يعمل على تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين ومستقلين، بحسب المبادرة الفرنسية التي أعاد مستشار الرئيس الفرنسي تأكيد مواصفاتها في لقاءاته مع الأفرقاء السياسيين اللبنانيين خلال زيارته لبيروت الاسبوع الماضي.
وتسأل مصادر «المستقبل» عن سبب العرقلة المسبقة والحُكم الاستباقي على الحكومة، وتقول: «لتدع هذه القوى الحريري يؤلّف الحكومة التي يتحدث عنها، وبعد ولادتها يظهر إذا كانت مؤلفة من وزراء تبعاً لما يقوله الحريري وللمبادرة الفرنسية أم لا، ويتثبّت للفريق المعرقل إذا كانت الحكومة بعكس تلك المطلوبة فرنسياً وقَبل الجميع بشروطها، كذلك سيتبيّن ما إذا كان الحريري سمّى عن أطراف أو منع التسمية عنهم وسمح لأفرقاء آخرين بالتسمية، وحينها ليحجبوا الثقة عن الحكومة فتسقط في مجلس النواب، طالما أنّ هؤلاء يملكون الأكثرية النيابية».
وانطلاقاً من ذلك، تستغرب المصادر نفسها «عرقلة التأليف، طالما أنّ ورقة الثقة في يد هؤلاء». وهذا يدلّ، بالنسبة اليها، الى أنّ «التأخير في التأليف سببه العودة الى المحاصصة، وكأنّ لا بلد ينهار ولا شعب يصرخ، ولأنّ هناك من يريد أن يسمّي وزراء، بدلاً من أن يُصار الى تأليف حكومة قادرة على الاصلاح وإعادة الاعمال ووضع البلد على سكة الإنقاذ، طالما هناك فرصة وحيدة وأخيرة هي المبادرة الفرنسية». وتقول: «لتتألف الحكومة بالاتفاق بين عون والحريري، بعدها يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وإذا كانت فعلاً حكومة بحسب المبادرة الفرنسية أم لا». وترى أنّ «نية التسهيل ستنجلي في الأيام القليلة المقبلة إذا كانت حقيقية وصادقة»، وتقصد هنا تحديداً باسيل الذي أكّد خلال اتصاله الأخير بالحريري، أنّ «التيار» لا يريد شيئاً بل هو يريد تسهيل مهمة الحكومة. وتضيف: «ننتظر لنرى إذا كان هذا الكلام حقيقياً أم هو لرفع التهم عن العرقلة فقط».
قول باسيل إنّه موافق مسبقاً على أي اتفاق بين عون والحريري، هو «مناورة» بالنسبة الى البعض، إذ أنّ عون لن يوافق على ما لا يقبل به باسيل، كذلك إنّ عون من جهته رافض تسمية الحريري الوزراء المسيحيين، ولن يرضى إلّا باعتماد المعيار الواحد في التأليف مع جميع الأفرقاء، فـ»إذا غيرنا سمّى، نحن أيضاً نريد أن نسمّي». وبالتالي، الى متى سينتظر الحريري؟ هل سيرضخ للمعيار الذي يطالب به عون، أم يقدّم تشكيلة أمر واقع ويرمي الكرة في ملعب الرئيس، طالما ما زال متمسكاً بعدم الاعتذار؟ تجيب مصادر «المستقبل»: «الرئيس الحريري يأخذ الموقف الذي يراه مناسباً في الوقت المناسب، فليس هو من لم يعُد في إمكانه الانتظار بل البلد، إذ إنّ الأمور وصلت الى حدّ حيث العالم «يرجونا» لتأليف حكومة، ولم يعد البلد يملك الوقت الكافي للصمود، والحكومة كان يجب أن تؤلّف بعيد تكليف الحريري فوراً».
هذه الوقائع كلّها، وحتى لو نجح الحريري في التأليف، فهذه «ليست جوهر المشكلة وبالتالي الحلّ»، بحسب جهات سياسية مطلعة. وتؤكّد أنّ «هناك انسحاباً عربياً ودولياً من الاهتمام بلبنان، طالما لم يقتنع جميع اللبنانيين بعد بأنّ هيمنة إيران على لبنان حرمتنا من علاقاتنا العربية وتحرمنا الآن من علاقاتنا الدولية». وتشير الى المواقف الأميركية الأخيرة حيال «حزب الله» وحكومة بمشاركته، فضلاً عن العقوبات، كذلك تذكّر بالموقف السعودي الذي يصبّ في هذا الإطار، وقد عبّر عنه الملك سلمان بن عبد العزيز شخصياً وعبر منبر الأمم المتحدة.