غادة حلاوي
هي من المرات النادرة التي يخرج المكتب السياسي لـ"حركة امل" ببيان يتولى تلاوته النائب محمد خواجه. كان اللافت في البيان دعوته الى تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن وعدم الوقوف امام الحسابات الضيقة. وبالنظر الى موقع "حركة امل" بدءاً من رئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري فان الكلام هنا لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. ولا بد ان مثل هذا المضمون يعكس استياء واضحاً لبري من التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة والعقبات التي لا تزيد عن كونها حسابات ضيقة، يجب على اصحابها الخروج منها باتجاه المصلحة الوطنية العليا. وليس المقصود هنا طرف بعينه فالملاحظ من قبل رئيس "أمل" ان اغلب القوى تتصرف مع الحكومة بسلوك أقل من عادي في ظل ظروف اكثر من استثنائية، فيما المطلوب تحمل المسؤولية لأن الاوضاع المعيشية والاقتصادية لم تعد تحتمل.
ويأتي البيان على خلفية التعقيدات التي لا تزال تعتري ولادة الحكومة وانقطاع التواصل منذ مدة في ما بين الاطراف المعنية بتشكيل الحكومة. فرئيس الحكومة المكلف لا يزال عند رأيه عدم التواصل مع اي جهة وحصر تشاوره مع رئيس الجمهورية، ومصادره تعاطت بسلبية مع الاتصال الهاتفي الذي حصل بينه وبين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، والذي جاء بناء على طلب من الموفد الفرنسي باتريك دوريل.
خلال زيارته سعى دوريل لأن يشهد نهاية الاسبوع الماضي ولادة الحكومة لاعتقاده ان الحكومة اذا لم تصدر في هذا التاريخ وبوجوده فهي لن تصدر ابداً. فشلت مساعيه وهو لاحظ بالتأكيد حجم الضغوطات المحيطة بالرئيس المكلف سعد الحريري والتي تعرقل تشكيل الحكومة.
واذا كان يفترض به ان يسلم تقريره عن نتائج زيارته للبنان الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فمن غير المؤكد إن كان سيتحدث عن حقيقة الضغوط الاميركية التي لمسها بنفسه والتي تطوق مهام الرئيس المكلف، ام انه سيعمم المسؤولية على الجميع كما سبق وفعل ماكرون. كان واضحاً هذه المرة ان الجهود الفرنسية اصطدمت بالجانب الاميركي الذي يضع العقبات امام مهمة الحريري، ولكن لن يكون ممكناً له مواجهته ولا أن يحمل الرئيس المكلف مسؤولية التأخير بمفرده. تستفيد فرنسا من فرصة الوضع الداخلي الاميركي وتخبط ادارة الرئيس دونالد ترامب لانقاذ الوضع في لبنان. عملياً هي لم تعد تعير اهتماماً للادارة الاميركية الحالية وتتطلع بايجابية الى الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي شكل فريق ديبلوماسيته وينتظر منه أن يتعاطى بايجابية أكبر مع الملفات، ومن بينها ملف العلاقة مع ايران ما ستكون له انعكاساته على الوضع الداخلي في لبنان. لذا هي لم تعر بالغ اهتمامها الى زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الذي التقى نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في اجتماع انضم اليه الرئيس الفرنسي.
ووصف مراقبون عن قرب الاجتماع على انه رفع عتب لم يكن الجانب الفرنسي مسروراً به ولكن لا يمكن ان يرفض ديبلوماسياً. كان هدف بومبيو الاساسي ابلاغ فرنسا عزم بلاده الانسحاب من سوريا والعراق وافغانستان، خصوصاً وان لفرنسا قوات في العراق وافغانستان، فيما لم يجد لبنان مساحته الخاصة ليكون مدرجاً على جدول الزيارة، بالنظر الى التباعد الفرنسي الاميركي الكبير في مقاربة الموضوع اللبناني.
وكان لافتاً للمراقبين ان الزيارة تمت من دون أن تلقى صدى أو ضجة في الاعلام الفرنسي او لدى المسؤولين في الاليزيه، وقد تم التعامل معها كزيارة عادية جداً. وبذلك تكون فرنسا قد عبرت صراحة عن طيها صفحة ولاية دونالد ترامب ولو أنها لا تزال تتهيب من خطوات لا تخلو من المجازفة، والتي كان من بينها قرار انسحاب غير منسق مع الفرنسيين والاوروبيين. وبالمقابل تتطلع الى تعاون وثيق مع الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن.
وبالنظر الى التباين الاميركي - الفرنسي الواسع والعميق حيال الوضع في لبنان، فمن غير المتوقع ان يكون قد شهد اجتماع باريس نتائج ايجابية او تطابقاً في وجهات النظر حتى وان تم عرضه سريعاً. وتقف فرنسا ضد العقوبات الاميركية التي تصدر بحق مسؤولين لبنانيين وتضعها في خانة تعقيد مهمة الرئيس المكلف لتشكيل حكومة، وتعتبر ان "حزب الله" جزء اساسي من التركيبة اللبنانية بينما تصر اميركا على عدم تمثيله مباشرة او بالواسطة وتضغط على الرئيس المكلف لثنيه عن الامر. وبينما تخشى فرنسا من حرب اهلية حذر منها رئيسها ايمانويل ماكرون لا تبدي الادارة الاميركية الراهنة اهتماماً بمستقبل هذا البلد، وهي ستواصل ضغوطها عليه بمعزل عن النتائج فالمهم والاهم لديها تطويق "حزب الله" وحلفائه بأي ثمن كان. وأكثر من ذلك تخشى فرنسا والاوروبيون عموماً من تدهور الاوضاع وتشديد العقوبات بما يدفع لبنان نحو الشرق وتخسر فرنسا بلداً يشكل موطئ قدم لها في الشرق الاوسط.
وبينما تضع فرنسا جهدها لاخراج حكومة برئاسة الحريري الى النور يتعاطى الجميع داخلياً وكأن الحكومة صارت في علم الغيب، ولا يملكون جواباً شافياً وافياً عن المراحل التي قطعتها المشاورات.