النقيب السابق لمحامي الشمال الوزير السابق رشيد درباس
استعاد الصديق والكاتب الكبير طلال سلمان على موقع "السفير" رواية "الفرسان الثلاثة" لألكسندر دوما فكتب كلمة عاطفية عن رحيل الفارس محمود طبّو، وأشار إلى أنه أول ثلاثتنا، أي توفيق سلطان وأنا، كما لم يفته طبعاً ذكر عرّابنا جان عبيد الذي كان يظهر من غير دعوة عند كل معضل أو منعطف أو أزمة بوجهه البشوش وابتسامته الواثقة، وحلوله الحبيّة وحضوره الآسر.
إني أبدي أسفي للقرّاء الأعزاء إذ أُحزِنهم بأحزاني التي تتوالى، لكنني، وقد التزمتُ الصدق الخالص في مخاطبتكم، لا أستطيع أن أكتم أو أطمس أكثر من ستين سنة من الأحداث والذكريات، كنت فيها لمحمود طبّو شريكًا أو مواكبًا أو مشاهدًا؛ فلقد تعرّفت عليه رفيقاً في حركة القوميين العرب في العام 1957، قبل أن يرحل إلى القاهرة لدراسة الحقوق كما فعل من قبله كثيرون من أهل طرابلس الذين قصدوا مصر للدراسة الجامعية، أذكر منهم المرحومين رشيد فهمي كرامي والرئيس عمر كرامي والدكتور معن زيادة والنقيب الدكتور بهاء سويسي وغازي غزواي وسواهم. أما أنا فالتحقت به بعد ثلاث سنوات وتساكنّا في منزل في منطقة الدقي حيث جرت بيننا أمور وطرائف، كنت أعيد روايتها وصياغتها بأسلوب كاريكاتوري مبالغ فيه، فيتقبّلها ويعلّق قائلاً: "لولا الطبّويّات ما كانت الدرباسيّات".
تخرّج وعاد لينتسب إلى المحاماة بعد أن أحرز موقعه السياسي في الترشح للنيابة عام 1964، وعلى ما أظن أنه أول خريج جامعي من مدينة المنية حيث كان قدوة لآخرين تبعوه فيما بعد، منهم الأخ النائب السابق صالح الخير، وها هي الآن مدينة متكاملة الاختصاصات.
روى لي أنه دخل إلى المدرسة في سن الثالثة عشرة وراح يقفز الصفوف بإرادة حاسمة، وأنا أشهد أنه كان متى انكبّ على الدرس، جلس ساعات طوالاً على صهوة حصان خشبي كان يقتنيه، دون أن يشغله عن كتابه شاغل آخر، ولربّما مذّاك كان يتدرَّبُ على الفروسية التي انغرست فيه شمائلَ كريمةً وإباءً ومودّة.
وفي مرة، دخلت إلى غرفته، فوجدت حيطانها ملأى بالكتابة بقلم الرصاص، فلمّا سألته أجابني:" هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تجعلني أتذكر قواعد أصول الفقه الإسلامي"، وهي مادة صعبة جدًّا كان يدرّسها لنا مشايخ الأزهر.
تزاملنا في المحاماة، وتشاركنا المخاطر، وتباعدنا وتشنّجنا، بل ترشحنا ضد بعضنا في قائمتين متنافستين في العام 1992، فدخل هو إلى المجلس النيابي، أما أنا فدخلت إليه متأخراً جداً على مقاعد الوزراء، ولكنني كنت أتعمّد الجلوس في مقاعد النواب بعض الأحيان على سبيل التجربة، دون أن تتاح لي فرصة الخطابة على منبره مثلما كان يفعل محمود طبّو على مدار أربع سنوات.
توفيق سلطان وعبدالله شهّال ومحمود طبّو وأحمد كرامي وأنا، ضيوف مستدامون على مائدة تربل الأسبوعية، وغالباً ما كانت تنتهي الجلسة بمشاحنة بيني وبين محمود، أو بيني وبين توفيق سلطان، كان يطفئها جان عبيد بطول صبره وأناته.
ليست المناسبة للحديث عن دوره السياسي، بل أترك له الأمر في مذكراته التي أملاها على الشاعر المبدع عبد الكريم شنينة، وهي الآن على وشك الطبع كما أوصى أولاده فراس ووسام وجنى، لكنني كنت أحسّ عن بُعد بآلامه وتراجع صحته، وجبروته، وصبره في وجه الكارثة التي حلّت به عندما فقد السيدة وفاء وهي في أوج تألقها وعز عنايتها به. كم كان الموقف متوتراً عندما أصر على الوقوف لتقبل العزاء بها رغم أنه كان عاجزاً عن أن يسند طوله بعد كسر في وركه، ولمّا طلبتُ إليه الجلوس، أجابني بنبرته العالية:" إذا لم أقف لها، فلمن أقف إذن"؟
أصدقائي...
منذ أقل من عَقد من الزمن طلب إليّ الأخ الشيخ عماد الخازن والأخ المرحوم فؤاد عبيد أن أبثّ دقائق في إذاعة "صوت كلّ لبنان"، صباح كل أحد. فأسميتُ برنامجي" ناقوس في أحد"، ربّما لأنّ صوت أجراس الكنيسة المجاورة لمنزل أهلي، يسكن في عمق الذكريات والنوستالجيا، فأردتُ أن أقرع ناقوسي على ما كنت أسمعه في أيام الأعياد، مليئاً بصهيل الفرح والبهجة. لكن طول الجوار، علّمني أن للناقوس أحوالاً، وأن الدقات الثلاثة الرتيبة تعني أن فقيداً يُصلّى لراحة نفسه، وها أنا على مدى حلقات ثلاث عبر الإذاعة، منشورة عبر هذا الموقع أيضًا، أحزنكم بالثلاث، وأدوّن على ورقة قديمة من شجرة قديمة، مشهد فعل الخريف في باقي الأوراق التي تذبل ثم تسقط، ثم تلفظ خشخشتها الأخيرة، قبل أن تذرّيَها الرياح.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا