المصدر: IT'S TIME LEBANON
هو التدقيق الجنائي .. هل أقرّ لينفّذ؟ أم أنّ الألغام التي زرعت فيه ستفجّره ولن يفضح فاسد؟
على واقع شد الحبال بين الاطراف اين أصبح هذا الملف وما هي مستجداته ؟
فقد كشفت معلومات خاصة بموقعنا محضر الاجتماع الأخير الذي عقد في قصر بعبدا وحضره رئيس فريق التدقيق الجنائي في شركة “الفاريز اند مارسال” جيمس دانيال، وزير المالية غازي وزني، حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، والوزير السابق سليم جريصاتي، واستكمل بعدها في السراي الحكومي باجتماع أوسع.
وكما يبدو فقد قلب حاكم مصرف لبنان الطاولة فوق رأس الجميع، ليتبيّن أنّ من يعرقل التدقيق ليس البنك المركزي بل أطرافا أخرى.
مفاجأة الاجتماع الذي عقد في القصر الجمهوري كما تؤكّد المصادر كانت في مشاركة حاكم المصرف المركزي سلامة غير المتوقّعة، خصوصا وأنّ بعض الحضور والمتابعين للملف كانوا يخطّطون لتحميل المصرف المركزي كلّ مسؤولية عرقلة ملف التدقيق والتلطي خلفه.
وبحسب المصادر، فقد كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واضحا في كلامه لناحية تأكيده أنّه سلّم الشركة كل الملفات العائدة الى البنك المركزي، فيما الباقي محمي بالسريّة المصرفيّة وقانون النقد والتسليف.
وقال: “نحن لا نتحجج بالقوانين لكي نحجب الملفات، والمصرف المركزي وانطلاقا من القوانين المرعية الاجراء، مستعد لتسليم الوثائق العائدة لحسابات الدولة بوزاراتها وإداراتها، إذا تسلّم كتابا رسميا من إدارات الدولة المعنية وأوّلها وزارة المال.
وبحسب المصادر العليمة، فإنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ردّ بالقول أن لا مانع من اتباع هذه الإجراءات لتسهيل السير بالتدقيق، وطلب عندها من وزير المال الذي كان مشاركا في الجلسة تحضير الكتاب وإرساله فورا ومن دون تأخير إلى المصرف المركزي. غير أنّ وزير المالية وزني الذي “حشر في الزاوية” استمهل أولا للعودة إلى “مرجعيته” السياسيّة، ثمّ ردّ بأنّ البلاد هي على أعتاب تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي من المستحسن ترك الموضوع لهذه الحكومة وللوزير الذي سيخلفه في المنصب للسير بطلب رئيس الجمهورية ومصرف لبنان وارسال كتب رسميّة تطلب كشف الحسابات العائدة لوزارته ولمختلف إدارات الدولة.
وانطلاقا من ذلك تمّ التوافق على تمديد مهلة تسليم الوثائق الى “الفاريز اند مارسال” ثلاثة أشهر إضافيّة.
وتؤكّد المصادر أنّ موقف حاكم البنك المركزي الواضح والصريح أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، فهو أثبت تمسّكه بالقوانين وعدم مخالفتها، وفي الوقت نفسه أبدى كلّ استعداد للتعاون وقدّم المخارج القانونيّة التي يفترض مراعاتها في عمليّة الكشف عن الحسابات. فما دامت الدولة تريد أن تكشف عن جميع حساباتها عليها أن تطلب ذلك رسميا من البنك المركزي في كتب واضحة تحدّد اسم الحساب ورقمه والتواريخ المطلوبة، على أن يرسل المصرف المركزي المعلومات المطلوبة فورا.
وهكذا قطع حاكم مصرف لبنان سلامة بالضربة القاضية الطريق على كل المصطادين بالماء العكر الذين يعملون منذ أشهر على توريطه في ملفاتهم التي تشوبها الكثير من التساؤلات ونقاط الاستفهام، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، محدّدا المسؤولين عن عرقلة التدقيق من دون أن يسميهم.
طائفيّة التدقيق
تقول المعلومات أيضا انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب شخصيا السير في عمليّات التدقيق الجنائي، بعد أن تمت عرقلة كل المحاولات السابقة لإقرار الإصلاحات والكشف عن كل المخالفات التي تظهر حقيقة الهدر في ماليّة الدولة طوال العقود الثلاثة الماضيّة، وكان الرئيس يريد تدقيقا واسعا في كلّ إدارات الدولة اللبنانيّة والصناديق والمجالس التي تغيب الرقابة عن ماليّتها. وعندما تمّ طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، كان الرأي السائد بأنّ التدقيق يجب أن يبدأ من مصرف لبنان، اختصارا للوقت، وأنّ حسابات المركزي ستظهر كلّ مخالفات الوزارات والإدارات الأخرى إذا تمّ تتبعها، وتمّ إقرار التدقيق في الحكومة على هذا الأساس من خلال عبارة “ما يظهره التحقيق” التي يجب أن يتضمّنها العقد.
وتقول المصادر انّ النقاش مع رئيس الجمهورية والمتعلق بجدوى بدء التحقيق في مصرف لبنان من خلال قنوات مختلفة، ركّز على قضايا طائفيّة على أساس أنّ الأفضل هو البدء بموقع مسيحي بدل البدء بوزارة المال ومجلس الجنوب التابعين للشيعة أو بمجلس الانماء والاعمار وهيئة الإغاثة وهما موقعين سنيين يتبعان لرئيس الحكومة مباشرة، حتّى لا تفسّر الخطوة على أنّها طائفيّة، فاقتنع رئيس الجمهورية بهذه الحجج على أساس أنّ يبدأ بموقع تابع لطائفته.
كيف ولماذا تمّ تفخيخ عقد التدقيق الجنائي؟
لكن كما تؤكّد المصادر نفسها، فإنّ المعرقلين الحقيقيين لعمليّة التدقيق بكل أوجهها وهم أرباب الفساد وأكبر المستفيدين منه، كانوا ومنذ ما قبل تحرّك 17 تشرين 2019 يعملون على خط السيطرة على كلّ ماليّة الدولة من خلال مجموعة خطوات نلخصها بالتالي:
بعد إقرار التدقيق، استغرق وزير المال نحو ثلاثة أشهر لتحضير الملف وقام بالتعاقد مع شركة صغيرة عبر فرعها في دبي بدل شركة “كرول” التي وافق عليها مجلس الوزراء بحجّة التعامل مع إسرائيل، وهي في الأساس حجّة غير مقنعة كون كل شركات العالم تتعامل مع إسرائيل والكيان الصهيوني.
قام وزير المال بمخالفة قرار مجلس الوزراء وتوصية هيئة التشريع والاستشارات عندما حذف من العقد عبارة “ما يظهره التحقيق” وهي العبارة التي كانت ستسمح لشركة التدقيق بالتوسّع في تحقيقاتها ليشمل كل الإدارات حيث تجد مخالفات يفترض تتبّعها.
تعمّدت وزارة المال ومن خلفها “مرجعيتها” الى التصويب على المصرف المركزي وإظهار أنّه يرفض التعاون، وهي كانت على بيّنة من أنّ ظروف التدقيق بحسابات مصرف لبنان ستواجه بعراقيل قانونيّة أبرزها قانون السريّة المصرفيّة الذي تتمسّك به هذه المرجعيّة وتحوّله إلى شمّاعة لمنع كشف الحقائق كاملة.
السابقة الخطيرة التي اعتمدتها هذه المرجعية أيضا هي في التعاقد مع الشركة من دون التواصل مع مصرف لبنان في محاولة خبيثة منها لتكريس عرف جديد يتمثّل في جعل البنك المركزي الذي يتمتّع باستقلاليّة تامة تحت وصاية وزارة المال وتقوية هذا الوزير بصلاحيّات أوسع، تماما مثل وصاية وزارة الأشغال العامة على المرفأ والمطار، والتشبث في مطالبة الثنائي الشيعي بحقيبة المال، الأمر الذي يجعل القرار المالي في لبنان بكامله تحت سيطرة الأحزاب الشيعيّة، وجعل الموقع الماروني المسيحي الثاني في البلاد مفرغا من الصلاحيات أو تحت وصاية شيعيّة، تماما كمّا قلّص الطائف الموقع الأوّل للمسيحيين أي رئاسة الجمهوريّة من صلاحياته وحوّلها الى رئيس الحكومة السني أو مجلس الوزراء مجتمعا.
ترافق كلّ ما سبق مع حملة ضخمة على رياض سلامة استخدمت فيها جميع الوسائل والمنابر لتحميل حاكم مصرف لبنان كل المسؤوليّة، وإبعاد الشبهات والأنظار عن كل إرتكاباتهم وسرقاتهم والملفات التي يمكن أن يكشف عنها بدء التدقيق في وزارة المال تحديدا.
وسط كلّ هذه المعمعة نجح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تلقّف كرة النار، واطلع رئيس الجمهورية على كل المعطيات، موضحا له حقيقة ما يحصل في ملف التدقيق الجنائي، ليعيد رمي الكرة باتجاه المسؤول الحقيقي عن التأجيل والتسويف والذي لا يريد أي تدقيق كي لا تنكشف كلّ تجاوزاته.
عرف حاكم البنك المركزي رياض سلامة كيف يخرج نفسه من شرك كان ينوي تحويله إلى كبش محرقة، والأمور عادت إلى نصابها الصحيح. مصرف لبنان مستعد لتزويد الوزارات والإدارات بكل حساباتها بمنتهى الشفافيّة، بناء على كتاب رسمي منها، كي لا يخالف القوانين، فكيف سيتهرّب مَن وضع العراقيل بعد اليوم من التدقيق الجنائي؟ هل سيخضع أو سيبحث عن كبش فداء جديد؟