لبنان أضاع فرصة ثمانية أشهر قبل الموجة الثانية
لبنان أضاع فرصة ثمانية أشهر قبل الموجة الثانية

أخبار البلد - Wednesday, November 11, 2020 8:47:00 AM

الأخبار

هيام القصيفي 

 

بالطبع، يتحمّل اللبنانيون مسؤولية تفشي «كورونا» في الشكل الذي انتشر فيه في الشهرين الأخيرين، بعدم التقيد بالإرشادات الطبية واستمرار التجمّعات والأعراس والمآتم والسهرات، رغم كل التحذيرات الصحية. وفي وقت ينشغل العالم بالإعلان عن لقاح للفيروس، يدخل لبنان السبت مرحلة الإقفال، وفق قرار المجلس الأعلى للدفاع، مستنسخاً تجربة دول أوروبية في مواجهة الموجة الثانية. لكن المشكلة لا تقع على إهمال الناس فحسب، لأن هؤلاء التزموا بنسبة عالية في الإقفال الأول. المشكلة أن هذا القرار وحده لا يعالج كل ما أفرزته الأخطاء التي ظهرت على طريق مواجهة الوباء. فهل الغاية منه فقط أن يلتقط لبنان أنفاسه ويعيد تجهيز طاقمه الصحي، أم وقف اندفاعة المرض في موازاة معالجة هذه الأخطاء، حتى لا يكون الإقفال للإقفال فقط، أسوة بالدول الأوروبية؟. والقضية لا تحتاج إلى مؤتمر وطني، بل إلى بعض الاختصاصيين الفعليين علماً وإدارة.
بحسب اختصاصيين إداريين في القطاع الصحي، أضاع لبنان فرصاً مهمة في احتواء انتشار المرض، بعد مهلة الإقفال الأولى، من خلال تدابير مجتزأة وكيفية وعدم اتخاذ قرارات صائبة في المكان والزمان المناسبين. لكن الأهم أنه أضاع فرصة انحسار الوباء في نهاية المرحلة الأولى بعدم اتخاذ الخطوات الطبية واللوجيستية استعداداً للموجة الثانية. وهو لم يأخذ من التجارب الأوروبية سوى عنوان الإقفال. إذ حمل بعض المسؤولين إلى الاجتماعات الأخيرة لائحة استثناءات تحتمل الكثير من التأويلات وتسمح بحياة شبه طبيعية، كما قال أحد المشاركين، وتكاد تكون أكبر من لائحة المؤسسات التي ستُقفل.
ومنذ شباط الماضي يسود تخبط في كيفية توزيع المسؤوليات والتدابير العملانية – الطبية التي كان يفترض أن تتخذها السلطات الرسمية بالتعاون مع القطاع الاستشفائي الخاص، عدا التنافس بين عدد من المسؤولين والوزراء، خصوصاً بعد الغرق في آليات الفحوص المخبرية عشوائياً. وبعد الرابع من آب جرى التذرّع بالانفجار والمساعدات وإصابة بعض المستشفيات أو انشغال بعضها بمعالجة المصابين، ومن ثم باستقالة الحكومة وتكليف مصطفى أديب ومن ثم الرئيس سعد الحريري، فجرى إهمال الاستعداد لمواجهة المرحلة الثانية مع فصل الشتاء.
في فرنسا التي أكثر ما يحذو لبنان حذوها، كما كل الدول الأوروبية، شُكّلت منذ اللحظة الأولى لانتشار الفيروس خلية خاصة للأزمة، طبية وإدارية، وطاقمٌ خاص للخروج التدريجي من الحجر، وصولاً إلى الحجر مرة أخرى. وفي خطابه، قبل الحجر الثاني، شرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخيارات وسبل الإفادة من أخطاء المرحلة السابقة وحسناتها لتعزيز المستشفيات والأسرّة وأجهزة التنفس والأدوية والأقنعة وتجهيز الطواقم الطبية. ومع ذلك اتُّخذ قرار الحجر الثاني بعدما بدأت موجة كورونا الثانية أكثر قساوة وتشهد طبياً مستويات عدة وسريعة من التحول تستدعي التعامل معها بحذر أكبر.
منذ شباط، لم تشكل الحكومة خلية إدارة أزمة بالمعنى الفعلي وليس بمعنى لجنة توصيات. ليست مهمة المجلس الأعلى للدفاع أن يكون صاحب قرار كهذا، ولو في غياب الحكومة. والأخيرة لم تتمكّن قبل استقالتها، وبعدها، من تنظيم تنسيق واضح وعملي بين القطاع الصحي الرسمي والخاص، على ضوء مطالبات المستشفيات الخاصة بما لديها من أموال في ذمة الدولة، إلى جانب تقاعس الكثير منها عن الدخول بفاعلية إلى أن تكون عنصراً أساسياً في مواجهة المرض خلال الأشهر الماضية. لم يتم الاستعداد للموجة الثانية (خلال مرحلة التزام الناس بالحجر وكل القرارات الرسمية وحين كان عدد الإصابات لا يزال منخفضاً) لا من خلال ربط المستشفيات الخاصة بآلية عمل ضرورية مقابل الوفاء بالتعهدات المالية، ولا تأمين عدد الأسرّة اللازمة في المستشفيات الحكومية، التي كان وُعد بها اللبنانيون في مرحلة الإقفال الأولى، أو رفع عدد أجهزة التنفس إلى الحد الأقصى الذي يتطلبه إيجاد توازن كافٍ في السباق بين أعداد المرضى والذين يحتاجون إلى هذه الأجهزة.

هذا صحياً، أما معيشياً، فكل إعلانات الإقفال الثاني في أوروبا أُرفقت بحزمة تدابير معيشية ومالية تتعلق بالرواتب والمساعدات وتأمين كل مستلزمات الصحة والاستشفاء والحياة اليومية. ومشكلة اجتماع المجلس الأعلى للدفاع واتخاذه مثل هذه القرارات، أنه معني بتطبيق «أمني» لمنع التجول والغرامات والمفرد والمجوز، من دون إيلاء أي اهتمام للموضوع الاقتصادي، في بلد ينهار يومياً تحت وطأة التدابير المالية التعسّفية والأزمة المعيشية. وهذا يعني أن الإقفال مع كل الاستثناءات التي حصلت، لن يؤتي ثماره المرجوّة، ما دامت مقاربته مجتزأة وسيضع الناس في مواجهة قرار التوقف عن العمل أو تأمين معيشتهم.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني