الإعلامي د. كريستيان أوسّي
أنعيش في بلدٍ، أم نعيش في غاب؟
سؤالٌ مشروع يطرحه كلّ منا على نفسه وهو يعاين الأحداث اليومية التي يعيشها مجتمعه، ذلك أنّ ما يسوس حياة بلدٍ، أي بلد، هو القوانين التي تسنّها الدولة وتحافظ عليها بل تصونها وتطبقها، لمصلحة الانتظام العام... أما الغاب، فتحكمه وتتحكم به شريعة الأقوى، فلا عدالة تعلو عليها.
مناسبة هذا الكلام، أطنان الطحين الموهوب الى لبنان، والمرمى عبثاً في أقبية ومستودعات، حيث لا شروط صحية أو بيئية حافظة للقمة الفقير، في حين ان الافواه الجائعة يزداد عددها...
ولا من يسأل!
وكيف يُسأل من لم يهتم لإنفجار نووي، هدم مرفأً، مسح جزءاً من العاصمة عن خارطة الحياة، أودى بحياة المئات وشرّد الآلاف...؟
ولا من يسأل!
كيف يُسأل من لم يفعل شيئًا مع كل تساقط للأمطار، فلا المجاري مفتوحة ولا الانفاق مجهزة ولا الطرقات مرصوفة علميًا... وإذ به يفاجأ مع أول مطرة بأنّ البحيرات غزت المدن والشوارع، وأنّ الواقع في المصيدة هو المواطن، فقط المواطن...
ولا من يسأل!
كيف يُسأل من عاين انهيار العملة وضياع مدخرات الناس وجنى أعمارهم، فيما الغلاء غولٌ يأكل ما يمكن للمواطن ان يقدم عليه تأميناً لقوت ابنائه وافراد عائلته...
ولا من يسأل!
بل كيف يُسأل من أقدم، في غفلة من قرار، على إعلان عدم قدرة لبنان على تسديد مستحقات سندات "اليوروبوندز"، واضعاً البلاد في خانة البلدان المفلسة، مع كل ما في هذا القرار من تداعيات وانعكاسات خطيرة... ولم يكلّف نفسه حتى عناء التفاوض مع المكتتبين لحفظ الحقوق الدنيا للوطن كما للمواطن؟...
ولا من يسأل!
كيف يُسأل من لا يُقدم على تشكيل حكومة، فيما البلاد والرعية في أمس الحاجة اليها، أمس قبل اليوم، أقلّه لبث روح ثقة مفقودة ،أو إحياء أمل باتَ مثل الحلم.
كيف يُسأل من تحاصره المحاصصة والمذهبية والطائفية والمصلحة الخاصة، على حساب الصالح العام وشؤون المواطنين وهمّ إعادة بناء عاصمة ومواطن؟
ولا من يسأل!
قالوا إنّ الحكومة وتشكيلها رهن بالانتخابات الرئاسية الاميركية، وإنّ طهران غير راغبة بتقديم ورقة الى رئيس مغادر، بل تفضّل المقايضة بها مع رئيس مقبل، وإنّ حلفاءها في لبنان يعملون على هذا المبدأ..
.... وقالوا إنّ الحكومة طريقها شائك، لأن المداورة لن تشمل الحقائب الاساسية كلها، بعد التخصيص الذي إنحصر بوزارة المال..
... وقالوا إنّ التيار الحر راغب في المقابل بالحفاظ على وزارة الطاقة، وإنّ الرئيس سعد الحريري مصرٌّ على تسمية وزير مسيحي ما يخفف حصّة رئيس الجمهورية، وإنّ افرقاء عدة تلقّوا وعوداً مسبقة من الرئيس المكلّف بحقائب معينة.
نعم قالوا ويقولون، غير عابئين بأنّ الشباب لا يحلم الا بالسفر، وانّ الناس همها فقط تأمين لقمة الاستمرار، وتوفير المحروقات خصوصاً للتدفئة، والبحث عن الاستشفاء المفقود، والليرة المفتقدة والمستقبل الضائع...
بربكّم أنعيش في بلد أم في غاب؟