كلير شكير
على عكس الأجواء الايجابية التي تقصّد البعض بثّها خلال الساعات الماضية إزاء التأليف، والتي تقلل من أهمية التعقيدات التي لا تزال تعتري ولادة حكومة سعد الحريري الثالثة في عهد الرئيس ميشال عون، مؤكدة أنّها باتت في طريقها إلى المعالجة، تمهيداً لتلاوة مراسيم التأليف... يبدو أنّ عجلة المشاورات الرسمية وغير الرسمية تدور مكانها.
اذ إنّ التنقيب في عمق المشاورات الحاصلة يبيّن أنّ هذه الايجابية لا تستند إلى معطيات كافية لتجعل من عملية الولادة سريعة، خصوصاً أنّ الحصتين الشيعية والسنية هما وحدهما شبه المحسومتين، ولو أنّ رئيس الحكومة المكلف لم يغص بعد في تفاصيل المفاوضات مع الثنائي الشيعي ويؤجلها إلى المرحلة الأخيرة.
أما الحصص المتبقية، أي المسيحية والدرزية فلا تزال موضع خلاف عميق. ما يعني أنّ سيناريو التفاهم الثنائي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، قد يكون الاحتمال الوحيد القادر على فرض أمر واقع يهمل مطالب القوى الأخرى، التي سيكون عليها إما قبول ما كتب أو رفضه!
ولكنه يبقى احتمالاً ضعيفاً لا يزال محاطاً بالعراقيل التي تؤخر التفاهم بين الفريقين، واذا ما ضمّت هذه العراقيل إلى تلك الموجودة أصلاً، والمتصلة بالحصة الدرزية وبحصة "تيار المردة" وبتمثيل "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، فهذا يعني أنّ الولادة الحكومية دونها صعوبات جمّة، وتحتاج إلى الكثير من التدخل وتبادل التنازلات، فيما يبدو أنّ "حزب الله" وفق بعض المواكبين، ممتنع عن تشغيل مولدات اتصالاته، سواء مع الحلفاء أو مع رئيس الحكومة المكلف.
في الواقع، فإنّ الساعات الأخيرة شهدت تأكيداً من جانب مسؤولين عونيين، بأنّ رئيس الجمهورية قرر المصادقة على اقتراح رئيس الحكومة المكلف بأن تكون الحكومة من 18 وزيراً، ما يعني استبعاد ممثل النائب طلال ارسلان عن التشكيلة، وحصر التمثيل الدرزي بواحد سيتولى رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط تسميته.
ولكن فور شيوع هذه الأجواء، خرجت الاعتراضات على هذه الصيغة المصغرة من المختارة كما من دارة خلدة. وفق المتابعين، لم يبلّغ ارسلان رسمياً من أي طرف شكل الصيغة التي رست عليها مشاورات التأليف، ولذا لم يخرج للتعليق بنفسه على هذا التطور، مشيرين إلى أنّ رئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني" سبق له أن أبلغ رئيس الجمهورية إنّه لا يمكن حصر التمثيل الدرزي بوزير واحد ولذا فإنّ الصيغة الحكومية المصغرة، مرفوضة. وهو الموقف ذاته الذي سبق وسجله عشية تأليف حكومة حسان دياب حين اقتصر تمثيل الارسلانيين على وزير واحد، ليتبين في ما بعد أن الوزيرة الثانية كانت أقرب الى المختارة.
ويشير هؤلاء إلى أنّ رئيس الجمهورية سارع إلى تأييد ارسلان واعداً اياه بالعمل على هذا الأساس، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه على نحو رسمي وعلني الثنائي الشيعي وتحديداً "حزب الله". ولهذا يقول هؤلاء إنّ التسريبات التي تحدثت عن تفاهم عون- الحريري على حكومة من 18 وزيراً، قد يكون معرضاََ للنسف اذا ما تواصلت الاعتراضات خصوصاً وأنّ هذه الصيغة لا تستطيع الاستجابة لكل الوعود التي أغدقها رئيس الحكومة على مكلّفيه، وتحديداً جنبلاط و"القومي" و"المردة" الموعود بحقيبة الاتصالات.
وهنا يتردد أنّ رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" قد يسلك مساراً تصعيدياً اذا ما تمنع الحريري عن الإيفاء بوعده بمنحه حقيبتين، وتحديداً الصحة والتربية، ولو أنّ جنبلاط حرص على عدم تصويب أول أسهم انتقاداته تجاه بيت الوسط، مكتفياً بالتحذير ممن "لم يسموا سعد الحريري باستثناء القوات وهم اليوم الذين يتقاسمون المقاعد، ويتحضرون للاستيلاء الكامل على السلطة بكل فروعها الامنية والقضائية في مخطط الالغاء والعزل والانتقام. لذا يا شيخ سعد ومن موقع الحرص على الطائف انتبه لغدرهم وحقدهم التاريخي". ولكن جنبلاط قد يفعلها مع الوقت.
ولهذا يشير المتابعون إلى أنّ التطورات أثبتت أن المشاورات تدور في حلقة مقفلة وأنّ الوعود التي أغدقها رئيس الحكومة أغرقته في متاهة تضارب المطالب والعجز عن تسديدها، ما يثبت أنّ الحريري سارع إلى عقد تفاهمات ثنائية ليضمن تسميته ويضع التكليف في جيبه ولكن بلا أي أفق، تاركاً التأليف... لزمان آخر.