عودة المنتشرين الى حضن الوطن
عودة المنتشرين الى حضن الوطن

أخبار البلد - Monday, July 20, 2020 10:30:00 AM

ألبير حيار 

ظهر فيروس كورونا أو (كوفيد-19 / COVID-19) في كانون الأول 2019 في مدينة ووهان وسط الصين، وهو فيروس مرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS-COV 2)، أطلق عليه إسم COV-2019.

إنتشر الفيروس في عدة دول مثل فيتنام وألمانيا عبر رجل أعمال صيني في 22 كانون الثاني في ولاية بافاريا الألمانية. وقامت حكومة ووهان باعلان حظر تنقّل للأشخاص وإيقاف وسائل النقل الحضرية والنقل الى الخارج عن طريق القطار، الطيران والحافلات. ثمّ تم إغلاق العديد من مناطق الجذب السياحي ومهرجانات بكين وغيرها من الإحتفالات والتجمعات وأعلنت حالة الطوارئ وأغلقت المدارس.

في 31 كانون الأول 2019، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بتفشي إلتهاب رئوي غير معروف السبب في ووهان. وأصدرت عدد من حكومات الدول تحذيرات من السفر الى مقاطعتي  (ووهان و هوبي)، وطلب من المسافرين الذين زاروا الصين مراقبة وضعهم الصحي مدة أسبوعين وإبلاغ الرعاية الصحية عن أي عارض للفيروس.

كما نصح بارتداء قناع واقٍ وطلب المشورة الطبية عبر الإتصال بالطبيب بدل زيارة العيادة شخصياً. وأجرت المطارات ومحطات القطارات فحوصات تشمل درجة الحرارة ونشر إعلانات صحية للتعرف على حاملي الفيروس.

في لبنان

سجلّت أول إصابة في لبنان في 21 شباط 2020 وهي لإمرأة تبلغ 45 عاماً كانت قادمة من مدينة قم، وثبت إصابتها في إيران ونقلت الى مستشفى في بيروت. في 26 شباط إمرأة عادت من إيران على متن الطائرة نفسها التي كانت عليها المرأة الأولى ثبت أيضاً إصابتها بالفيروس. وفي 27 شباط وصل رجل إيراني إلى لبنان، ونقل الى مستشفى الحريري الحكومي بعد تأكيد إصابته بالفيروس و توالت الإصابات بشكل يومي وبتصاعد ملحوظ في مختلف المناطق اللبنانية. امّا في 10 آذار سجلت أول حالة وفاة لمواطن لبناني وارتفع عدد الإصابات الى 52 حينها.

 تداعيات الحدث

بعد تزايد الإصابات بشكل يومي وازدياد عدد الوفيات أعلن وزير التربية والتعليم طارق المجذوب في 28 شباط إغلاق جميع المؤسسات التعليمية إعتباراً من 29 شباط وحتى 8 آذار. كما أعلنت في 13 آذار الوكالة الوطنية اللبنانية إغلاق المساجد في طرابلس وفي 15 آذار أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حالة الطوارئ الصحية في البلاد وحالة التعبئة العامة في جميع المناطق اللبنانية.

في اليوم التالي أطلق وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن الصندوق الوطني لمكافحة كورونا، كما واكبته عدة وسائل إعلامية وجمعيات ومؤسسات مدنية لجمع التبرعات للمستشفيات الحكومية وخاصة مستشفى الحريري الذي خصص لمعالجة المصابين بفيروس كورونا.

نشر معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الأميركية في بيروت رسما بيانيا يؤكد أن لبنان سجل أداء أفضل على مستوى إحتواء كورونا بالمقارنة مع غيره من الدول مثل هولندا والنروج والسويد والنمسا وسواها من الدول المتقدمة.

خلال شهر آذار تابعت وزارة الصحة إجراء فحوصات PCR على المشتبه بإصابتهم بالفيروس في كافة المناطق اللبنانية مع تحديد ومتابعة المخالطين ومراقبة جميع القادمين من الدول التي تشهد إنتشاراً للفيروس، كما تابعت التقصي الوبائي ومناشدة المواطنين التقيّد بالتدابير الوقائية لا سيما الحجر المنزلي الإلزامي وضبط الحركة إلا عند الضرورة القصوى.

لم يستثنى المرض الأثرياء والسياسيين، ففي 21 آذار أعلن عن إصابة الوزير السابق محمد الصفدي كذلك في 23 آذار أعلنت الوزيرة السابقة مي شدياق إصابتها بالعوارض المشابهة لعوارض كورونا بعد عودتها من باريس.
وكان مجلس الوزراء قد إتخذ في 18 آذار 2020 قراراً بإغلاق مطار بيروت أمام حركة الملاحة الجوية تطبيقاً لمقررات مجلس الوزراء الأخيرة للحد من إنتشار الفيروس، بإستثناء طائرات الشحن، العسكرية، الإسعاف، طائرات الهليكوبتر، الخاصة للعاملين لدى شركات مرتبطة بعمليات الحفر في البلوك 4.
في 21 آذار حذرت وزارة الصحة أن مرحلة الإنتشار الوبائي قد بدأت مع وصول عدد الإصابات إلى 206 إصابة وعدد الوفيات إلى 4 وفيات. 

حظر التجول:

في 26 آذار تمّ إعلان حظر التجول من 7 مساءً حتى 5 صباحاً، وتضمن القرار: تعليق العمل في هذا الوقت في جميع المحلات التجارية ومؤسسات تصنيع وتخزين المواد الغذائية، يستثنى من ذلك المطاحن والأفران والصيدليات والمصانع التي تنتج المستلزمات الطبية.

أصوات تطالب الحكومة بإعادة اللبنانيين المنتشرين خارج لبنان، جراء كورونا

في قراءة سريعة لتاريخ لبنان الحديث، مرّ لبنان بأزمات عدة كانت في معظمها ذات إنعكاس سلبي على الكيان والوجود وأثمرت هجرة وتشرد وإنتشار للبنانيين في أصقاع الأرض.
فبالعودة إلى آواخر القرن التاسع عشر حوالي العام 1880 وحتى العام 2019 كانت أسباب الهجرة تدور حول الهرب من الحروب والإضطهاد الديني والعرقي إلى المجاعة والتفتيش عن ظروف معيشية أفضل، كذلك فرص العمل وأمل بحصول على ثروة في بلاد فتحت أبوابها وأرضها للبنانيين مانحة إياهم فرص العمل و الإنخراط في المجتمع والتعبير عن حرية الرأي والعمل السياسي والثقافي إلخ...
قام اللبنانيون وللأسباب المذكورة أعلاه بالهجرة إلى الأميركيتين وأفريقيا وصولاً إلى أوروبا وأستراليا حتى بات لا يخلو بلد على الكرة الأرضية من وجود جالية لبنانية أو من عائلة أو من أشخاص يعملون ويساهمون في بناء هذه الأوطان.
أما الغريب في الهجرة في زمن إنتشار وباء الكورونا أن اللبنانيين لم يغادروا الوطن بل ان المنتشرين عملوا جاهدين للعودة إلى حضن الوطن مستعملين نفوذهم وإمكانيانتهم في سبيل تسهيل العودة، مفضلين الموت في بلدهم على البقاء في الغربة، واثقين بدولتهم بعدما سمعوا عن نجاح الإجراءات التي إتخذاتها الدولة اللبنانية في سبيل مكافحة الوباء.

من هنا، عممت وزارة الخارجية على المغرتبين ضرورة تعبئة استمارة عنهم وارسالها الى  السفارة اللبنانية، حيث انّ عملية الإجلاء ليست بسيطة وتتطلب وضع خطة شاملة واخذ اجراءات تضمن سلامتهم خلال العودة وبعدها.

وظهرت ثلاثة امور مرتبطة بالخطة:

· عدم وضوح عدد اللبنانين الذين يريدون العودة.( طلب تسجيل اسمائهم في السفارات لتأمين الطائرات لنقلهم)

· رفض بعض الدول خروج اللبنانين قبل اجراء فحوصات لهم.( نقل فريق طبي لإجراء فحوصات)

·كيفية فصل المصابين عن غيرهم أثناء نقلهم وتأمين أماكن للحجر لمدة اسبوعين.

وقسّمت العودة الى فئات:

· الطلاب الذين يتابعون الدراسة في الخارج ويرغبون بالعودة.

· من كان في الخارج ولم يتمكن من العودة بسبب اقفال المطارات

· المقيمون في الخارج ويفضلون العودة في هذه الظروف.

·دراسة القطاعات الطبية للبلدان حيث الأفضلية للدول الافريقية.

كذلك بدا لافتاً سوء ادراة الأزمة في البلدان حيث انتشر اللبنانيون ما ادى الى تصاعد كبير وسريع في عدد المصابين وعدد الوفيات جراء انتشار الفيروس، هذه البلدان التي طالما كانت الملاذ الآمن لهم ولعائلتهم، وهي تعد من البلدان المتقدمة علمياً وتكنولوجياً ومادياً. هذه البلدان لم تستطع كبح انتشار الوباء وكما فعلت دولتهم التي ترزح تحت وطأة الازمات الاقتصادية والمالية ناهيك عن اعمال الشغب الناتجة عن اندلاع الثورة المدنية في وجه الدولة ومؤسساتها، إلاّ انّ اللبناني آمن ولا يزال بوطنه، معتبراً أن تراب الوطن هو خير مكان في الشدائد وأن أهل بلده خير حاضن له ولعائلته.

وبعد تصاعد الأصوات المطالبة بعودة اللبنانيين المنتشرين في الخارج وكان اولها طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري من مجلس الوزراء العمل على اعادة المنتشرين اللبنانيين في افريقيا واوروبا وخاصة اولائك الذين يقيمون في بلدان فقيرة، لا تتوفر فيها الرعاية الصحية اللازمة لمكافحة الوباء، او تلك التي انتشر فيها الوباء وخرج عن السيطرة وحيث يموت يوميا من المواطنين ويصاب الآخر، بالإضافة إلى وسائل الاعلام والاعلان التي اظهرت عمق المشكلة حيث فتحت الهواء اللبناني لعرض مشاكلهم فمنهم من سافر في زيارة او نزهة وعلّق في البلد الموجود فيه. بعد اقفال المطارات واصبح دون مال بسبب عدم قيام المصارف اللبنانية بتحويل الاموال الى الخارج، وآخرين من تلامذة وطلاب جامعات لا يستطيعون دفع ايجار الغرفة او شراء الطعام بسبب عدم تلقي المال من ذويهم.

كل ذلك دفع مجلس الوزراء الى اتخاذ قرار باعادة اللبنانين المنتشرين الراغبين بالعودة رغم التعقيدات اللوجستية والصحية، ناهيك عن السجال والمزايدات السياسية بين الأحزاب والقوى الفاعلة في البلد. من هنا شكّلت لجنة من عدد من الوزارات يرأسها السفير غدي خوري في وزارة الخاجية حيث تم الاتفاق على تعبئة استمارة من قبل الرغبين بالعودة على ان يتم ابلاغهم بتوقيت وشروط العودة لاحقاً. وتوقعت اللجنة عودة حوالي 25 الف لبناني:13 الف في افريقيا، و6 آلاف في أوروبا، 3 آلاف في الدول العربية بالاضافة الى اوستراليا وبعض الدول الاخرى. وعندها تم تعبئة 21 الف طلب عودة من قبل المنتشرين.

31 آذار قرر مجلس الوزراء اعادة اللبنانين بالرغبين بالعودة وذلك على مراحل. حيث تبدأ المرحلة الأولى في 5 نيسان وعلى أربعة دفعات. المرحلة الثانية في 27 نيسان وعلى 6 دفعات على ان تعلن المراحل الأخرى حسب تطوّر الوضع في الداخل والخارج.

عملت اللجنة على وضع استراتيجية للعودة ترتكز على شقين:

1 تنسيق العودة مع الدول بما يتوافق مع سياستها بما خص اغلاق مطاراتها واجراءات الفحوصات الطبية بالأفراد والعائلات قبل العودة.

2 تنسيق العودة مع الوزارات والأجهزة المعنية في لبنان باستقبال العائدين واعادتهم الى منازلهم آمنين، دون التأثير على تفشي الوباء. الإقامة في الفندق لمدة 24 ساعة لحين صدور نتائج فحصوات ال PCR وعلى اساسه يحجر 14 يوماً في المنزل أو المستشفى.

3 تأمين التمويل المادي لهذه العودة ( كلفة نقل الطائرة – اقامة عند الوصل – فحص ال PCR)

كيف تمت العودة في المرحلة الأولى؟

اصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بيانا اوضحت فيه الاجراءات المتخدة لعودة اللبنانيين من الخارج بدءاً بتعبئة الاستمارات الموضوعة على عنوان البريد الالكتروني  للوزارة والتي تتضمن المعلومات الشخصية.

- البيانات الشخصية: اسم وشهرة وتاريخ الولادة، عنوان السكن الخ...

- معلومات حول الأهل والعنوان في لبنان: الاسم الشهرة ارقام الهواتف عناوين السكن ....

- الاشخاص الذين يجب الاتصال بهم عند الحالات الطارئة

- الوضع الصحي: أمراض مزمنة – ادوية...

- معلومات اضافية: البلاد التي تم زيارتها وفي حال الاحتكاك مع شخص مصاب...

- صورة عن بطاقة الهوية اللبنانية او جواز السفر اللبناني او بيان قيد...

بعد ذلك يقوم الراغبين بالعودة بالاتصال بالسفارة اللبنانية التي بدورها ترفع اللوائح الى الوزارة ومن ثم يتم تحديد الاشخاص الذين سوف يسافرون على متن الطائرات المرسلة من قبل شركة طيران الشرق الأوسط MEA مع طاقم طبي وقد تصنيف العائدين حسب الافضلية التالية:

أولا: - الطلاب الذين لا يملكون الاموال للعيش في البلدان التي يتابعون الدراسة فيها.

- اللبنانيون الذين كانوا برحلات وزيارات عادية لبعض البلدان ولم يتمكنوا من العودة بسبب اقفال المطارات والاجراءات التي اتخذتها تلك الدول.

- اللبنانيون الذين يعانون من مشاكل صحية ولا يوجد خدمات طبية في البلدان التي يعيشون فيها.

امّا عند الوصول: تستقبل الاجهزة الأمنية والطبية العائدين ويجرى لهم الفحوصات الطبية وفحص ال PCR حيث ينقلون بعدها الى فنادق في العاصمة بيروت بانتظار صدور نتائج الفحوصات الطبية. بعده يتم ارسال المصابين الى مستشفى بيروت الحكومي للمعالجة وغير المصابين الى اماكن يختارونها بمواكبة امنية ليقوموا بالحجر الذاتي لمدة 14 يوماً مع متابعة من قبل وزارة الصحة والأجهزة الأمنية للتأكد من عدم اصابتهم بعد 14 يوماً وذلك ليعودوا بعدها الى منازلهم وعائلاتهم.

وكما ذكرنا سابقاً بدأت المرحلة الولى – الدفعة الاولى في نيسان 2020 حيث تقرر استقبال 400 عائد في كل دفعة بعد التأكد من وضعه الصحي السليم عبر اجراء فحص ال  PCR في البلد الموجود فيه كي لا ينقل المرض معه.

وقد واجهت الخطة الموضوعة من قبل وزارة الخارجية عدة عقبات كما صرح وزير الخارجية:

1 الوضع المتردي صحيا في بعض الدول وانتشار الوباء بشكل مخيف.

2 المشكلة المالية، فالكثير من اللبنانين خاصة الطلاب يعملون ليوفروا جزءاً من مصاريفهم وبتوقّف العمل أصبح الوضع الاقتصادي صعباً.

3 عقبات من قبل بعض الدول للسماح للبنانين مغادرة اراضيها وعدم توفر امكانية اجراء فحص ال PCR  للمغادرين.

عملت وزارة الخارجية والمغتربين على تذليل معظم العقبات عبر الاتصالات والقنوات الدبلوماسية وطلب مساعدة منظمات وهيئات الدعم الدولي، لتبدأ رحلة العودة رغم الظروف الصعبة والدقيقة، فكانت الدفعة الأولى من الوافدين بمثابة اختبار. أمّا المعيار الموضوع من قبل الحكومة كان ايقاف الرحلات او تأجيلها في حال تجاوزة نسبة الاصابات ال 2%. وشكلت اعداد المغتربين العائدين 1867 مغترباً حتى 13 نيسان 2020 في المرحلة الأولى من الدفعة الأخيرة، قلقاً محلياً وكان الحاجز الأكبر يكمن في عدد الاصابات التي قد تسجل في صفوف المغتربين ولكن التعاطي الحكومي والاجراءات المتبعة بدرت المخاوف بما قدمته من مهنية واحتراف عاليين.

تداعيات العودة:

فبالإضافة إلى الازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، كما الازمة السياسية، جاءت ازمة كورونا الصحية لتزيد الامور صعوبة على الحكومة. إلاّ انّ كل هذا، تلقفته الحكومة وعملت على معالجته حتى اضيفت الى المشاكل مشكلة خارجية هي اعادة ابناء الوطن المنتشرين الى حضن وطنهم والذين رأوا فيه رغم كل المشاكل الملاذ الآمن لهم ولعائلاتهم فإن الخدمات الطبية في بلدهم أفضل بكثير مما تقدمه أفضل من الدول المتقدمة والرعاية الاجتماعية.

إن عودة اللبنانين الى الوطن كانت لها تداعيات ايجابية فالوطن رغم مشاكله المتراكمة ما زال محطة ثقة مواطنيه  وما زال الحاضن والملاذ الآمن لأبنائه. كما انّ الخطوات المتخذة من قبل الحكومة أدت الى النتائج المرجوة ولا بد ان ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وصولاً الى الاستقرار المالي والأمني.

يبقى ان تقوم الحكومة بخطوات اضافية وسريعة بضبط التهور المالي كما تمكنت من ضبط التهور الصحي وعندها سوف تكسب ثقة جميع اللبنانين كما كسبته بتعاملها مع أزمة مكافحة وباء كورونا.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني