هو فيلم رعب لا بل أصعب هو واقع مرعب يحاكي قصص الأفلام المغمورة بالوحشية... هي قصة مجموعة من اللبنانيين يئسوا لدرجة أنهم اختاروا التحول الى جثث محتملة بدلا من أن يبقوا قابعين في أماكنهم على أنهم جثث متحركة!
قصة الزوارق التي تهرب اللبنانييين عبر البحر من طرابلس تحولت الى قصة عادية نسمعها على أنها خبر في نشرات الأخبار وتمرّ مرور الكرام، لكن الواقع أصعب من هذه القصص بكثير!
وفي ما يلي قصّة مجموعة من هؤلاء الذين سقطوا ضحايا لـ 3 مرات متتالية، المرة الأولى كانوا ضحايا الفقر واليأس وفي الثانية كانوا ضحايا رجل خادع سرق أموالهم ورماهم في عرض البحر ليأكلهم السمك أما في المرة الثالثة فكانوا ضحية الجوع والعطش الموت.
تماما كقصة مسلسل "10 عبيد صغار"، بدأ الموت يخطفهم يوما بعد يوم الواحد تلو الآخر. رحلة دامت لأسبوعين تقريبا قتلت نصفهم جسديا والنصف الآخر نفسيا!
علي حصني شقيق الشاب محمد حصني، روى لموقع vdlnews قصة شقيقه الذي توفي بسبب آمال بحياة حرم منها مع عدد كبير من الشبان اللبنانيين.
وقال علي: "أخي عمره 24 عاما، كانت أحلامه كبيرة لكن القدرة في طرابلس ولبنان قليلة جدا، قرّر في ذلك اليوم المشؤوم أن يهرب من هذا الواقع المضني بحثا عن حفنة أمل يكمل من خلالها حياته كشاب عادي"...
وتابع علي: "كجميع من ركبوا في ذلك الزورق المشؤوم دفع شقيقي مبلغا ماليا، على أساس أن المجموعة الهاربة ستكون مؤلفة من 30 شخصا، الا أنهم ولدى وصولهم الى نقطة الانطلاق تبيّن أن عددهم لامس الـ50، وأن صاحب الزورق تقاضى ما يقارب الـ 28 مليون ليرة، وبالرغم من اعتراضاتهم الا أن شيئا لم يتغير".
وأشار علي الى أن "المهرب وعدهم بأن يلاقيهم في نقطة معيّنة في عرض البحر مع كمية جديدة من الأكل والوقود ليكملوا المسيرة، الا أنه وبعد 12 ساعة من اقلاعهم، لم يحضر، والوقود نفذ فعلّقوا وسط البحر ثم نفذ الطعام والشراب فجر اليوم التالي... أطفال ورجال ونساء حاولوا أن يقاوموا الجوع والعطش لعلّهم يصمدون حتى تحضر النجدة بقدرة الهية".
"في اليوم الأول توفي شخص وفي اليومين التاليين توفي طفلان ثم رجل آخر... هكذا وبهذه الطريقة الوحشية والمؤلمة بدأوا يراقبون بعضهم وهم يموتون من الجوع والذل، بعضهم لم يتمكن من الارتواء من مياه البحر المالحة فمات... وفق ما قال علي.
وأكمل حديثه لموقع vdlnews ، قائلا: "بعد 4 أيام من مراقبة هذه المشاهد المرعبة، قرر شقيقي والشابان عبد اللطيف حياني ومصطفى ضناوي أن يرموا بأنفسهم من الزورق ليبحثوا عن قطعة أمل أو ظل يابسة أو سفينة تساعدهم... رموا بأنفسهم بالبحر واختفوا!".
"شقيقي تمسك بحاوية مياه فارغة وعصا خشبية حتى يتمكن من أن يعوم... وبعد 4 أيام رمى شاب آخر بنفسه في الماء، ومن حسن حظه أن سفينة خفر السواحل التركية عثرت عليه ودلهم على مكان الزورق وعاد الناجون الى الشاطئ اللبناني"، بحسب علي.
هذا الرجل التائه بين صدمته من فقدان شقيقه ويأسه من وضع البلد وأسفه على ما يحصل وجه نداء ورجاء للمعنيين ليعثروا على الشابين التائهين في البحر لأن عائلتيهما فقدتا كل ذرة أمل وأعصاب.
وأوضح علي أن "تم العثور على جثة شقيقي على شاطئ السعديات بعد 15 يوم من وجوده في الماء".
مأساة يعيشها اللبنانيون يوميا وهم يتأملون وينتظرون بصيص نور صغير علّ الفرج يجد لنفسه طرقا في هذه الأرض القاحلة والمسروقة والمتروكة... فماذا بعد؟!