كريم حسامي
تضرب العاصفة لبنان من كُلّ الاتجاهات، لذلك لا يمضي يوم إلّا ويقع حدث أمني مع تخبّط سياسي لا مثيل له برهَن أن العقلية اللبنانية هي في الأصل فرنسية منذ أيام الانتداب وبعده، وهي التي أفسدت العقول اللبنانية وتسبّبت بمآسي البلد.
يقول مراقبون إنّه "عندما يوافق الفرنسي على طلب اللبناني تمديد مدّة تأليف الحكومة التي انتهت في يوم محدد، فهذا يعني الكثير. ومن يدرك مدى دقة الأجنبي في ما يتعلق بتوقيت إنجاز الأمور من دون اي تأخير ويرفض عادة تمديد المواعيد حسب التوقيت اللبناني، يمكنه القول ان العقلية اللبنانية السائدة أصلاً هي فرنسية، وليس كما يُشاع أنّ الفرنسي تنازل للبناني".
وأضاف المراقبون: "بعدما وضع الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون مدة 15 يوماً لتأليف الحكومة انتهت الإثنين الماضي، طلب السياسيون اللبنانيون تمديد المهلة ووافق ماكرون مرغماً خشية فشل مهمته".
غير أنّه يوماً بعد يوم، يتبيّن أنّ المعركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما من جهة وإيران من جهة أخرى تُكسَر فيها العظام وقاسية جداً ولا تعترف بأي حدود وقوانين وأعراف دولية وانسانية وغيرها، ولا حتّى بدور لأي دولة ثانوية كفرنسا.
مرحلة ما بعد انفجار بيروت أضعفت الدور الفرنسي أكثر، وفق المراقبون، بعدما حاول ماكرون التقدم خطوة عبر "وضع كل رصيده السياسي على المحك"، ها هو يتراجع ألف خطوة ويخسر الرصيد. لم تصمد مبادرته أسابيع يتيمة حتّى أفشلتها إيران وأميركا في آن، عبر إصرار الأولى على حكومة مطعّمة بسياسيين بمشاركة حزب الله تلاها فرض الثانية عقوبات للمرة الأولى بحقّ شخصيات ذو ثقل، الأمر الذي أدى إلى تدحرج الوضع وتمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية والثلث المُعطّل وتراجع الفرنسي عن فرض تشكيلته الحكومية، لتأتي رواية كشف مخطط إيراني لاغتيال سفيرة أميركا في جنوب أفريقيا انتقاماً لمقتل قاسم سليماني. فهدّد ترامب إيران، بعد غيابه لفترة عن هذا التصرّف، بلهجة قاسية قائلاً: "أي هجوم من جانب طهران بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة، سيواجه بهجوم أكبر بألف مرة على إيران".
توازياً مع هذا التصعيد الذي يُعقّد مسار الأمور أكثر في لبنان، كان الرئيس ميشال عون يجري مشاورات سياسية جديدة من نوعها متخطياً دور رئيس الحكومة المكلف، انبثق منها قناعة بأن الحكومة "طارت"، فضلاً عن قناعة حزب الله أنّ ما يجري انقلاب عليه.
هذا التصعيد صدمَ الإدارة الفرنسية فأصدرت بياناً، في أضعف الإيمان، ذكّرت فيه القوى السياسية بأنّها أكّدت "مضيها في تأليف الحكومة من دون تأخير".
في غضون ذلك، حصل تصعيد خطير آخر حيث تعرّضت أرتال نقل معدات التحالف الدولي بقيادة واشنطن المنسحبة من العراق لانفجار عبوتين ناسفتين لحقها استهداف سيارة ديبلوماسية بريطانية بعبوة ايضاً، قبل ساعات من مراسم توقيع اتفاقات السلام بين اسرائيل وكل من الامارات والبحرين في واشنطن، فضلاً عن تصعيد الحوثيين هجماتهم ضدّ السعودية.
هنا، قرّرت الإدارة الأميركية التدخّل سريعاً ووضع حدّ للمسعى الفرنسي وتبيان حقيقة الأمور، فحذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، من منبر اعلامي فرنسي، باريس من أن جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلح "حزب الله". وقال "الولايات المتحدة اضطلعت بمسؤوليتها وستمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع السلاح لحزب الله ونسف جهود الرئيس ماكرون في لبنان".
وأضاف "لا يمكن أن تدع إيران تحصل على المزيد من المال والنفوذ والسلاح وفي الوقت نفسه تحاول فصل حزب الله عن الكوارث التي تسبب فيها بلبنان".
إلى ذلك، أطلقت صواريخ من غزة نحو المستوطنات الاسرائيلية ما أدى لجرح 8 اسرائيليين ووقوع أضرار مادية تزامنا مع توقيع اتفاقات السلام بين اسرائيل والامارات والبحرين.
وفي اليوم التالي، أي أمس، انتهى الأمر ببيان آخر من الرئاسة الفرنسية تأسف فيه لعدم التزام الفرقاء بتعهّداتهم أمام ماكرون.
فهل يتم ختم هذه المرحلة القصيرة جداً بالدفعة الثانية من العقوبات الأميركية بحق سياسيين؟ وهل الهدف في نهاية هذه المرحلة توقيع اتفاقية بين لبنان واسرائيل تُدفَع من أجلها أثمان أخرى؟