النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
في حديثِ أربَعائه، عن الكلب التشيلي "فلاش" المحمولِ إلينا من آخر الأرض لكي يتحسس القلوب النابضة تحت الانهيار، قال المبدع سمير عطالله إن هذا الكلبَ وصل متأخراً برغم نياته الطيبة ورقته وعذوبة قلبه وارتجافه حزناً وفرحاً عندما خُيّل إليه أن معجزة تريد أن تكشف عن نفسها تحت الركام؛ لكنه مع الأسف، يئس من وجودها، وكفّ عن تحريك ذيله، فكفانا أنه جاءنا من ملح المحيط وبلاد بابلو نيرودا؛ ولقد هتفت للكاتب الكبير الموجود في فرنسا لافتاً إياه إلى أنه، برغم توقف الكلب "فلاش" عن تحريك ذيله، فإن ذيولًا كثيرة ما زالت تهتز، ولعابًا سامًّا ما زال يسيل من بين الأنياب المقضقضة، كأنما دمار بيروت ليس سوى دورة جديدة تزيل ما تيسّر عن وجه الأرض، أو كأنّ قَدَر المدينة أن تكون مقرًّا لفوالق الزلازل وألسنة اللهب، حتى تُسلّم إليهم خالية من ساكنيها الفقراء، إلا مَن سبّحوا بحمدهم وآمنوا بعبقريتهم، ومنّوا أنفسهم بتحقيق الأحلام، بعد أن تطويَهم القبور.
وكنت في ما مضى قد بلوت خيبة تصديق الخطابات الفارغة فناديت ابني وقلت له:
أيا بُنَيّْ
إن كنت مأخوذاً بمعسول الكلامْ
عن جنةٍ.. لقادم الأعوامْ
تفوّق بالحسن.. عدَنْ
أنهارها من عسلٍ.. ومن لَبَنْ
فضاؤها أرجوحة الوَسَنْ
مكانها.. ممتنعٌ على الزَّمَنْ
فاصبرْ لما بعد الكَفَنْ
ما أن خرج ماكرون من دار فيروز التي رسمت مع الأخوين، لبنان الافتراضي، وعاد إلى عاصمة النور، حتى خرج فرسان الظلام من تأدُّبهم الكاذب وأعادونا إلى لبنان الحقيقي فراحوا يَهِرُّون بمطامعهم، ويجوبون مواقع الخراب والحرائق المتجددة لا بحثًا عن ناجين، فذلك آخر همّهم، بل بحثًا عن لقطة يكتمونها، أو وزارة يسجلونها بأسماء أبنائهم محتفظين لأنفسهم بحقوق الاستثمار مدى الحياة، أو عن نحاس الكهرباء المتناثر لبيعه في سوق النخاسة؛ فكلّ ما قيل عن النخاسين في الزمن القديم لا يضاهي ما يجب قوله في هؤلاءِ النحّاسين اليوم، لأن أسوأ ما تبتلى به الطوائف دعاة كفرة يدعون الحرص على مصالحها من باب التقوى الكاذبة، والقربى المزوّرة من ربّ العالمين.
أغرتني فقرتي الأسبوعية "ناقوس في أحد" عبر "صوت كل لبنان" باستعمال التورية والاستشهاد بشوقي ودولافونتين وكليلة ودمنة، لا من باب الحذر والتقية، بل من باب الهزء والسخرية، كما من باب إحياء ما حفظناه في صغرنا لكي نردده جميعًا في محننا، ترويحًا عن النفس وازدراء بالممسكين بآلة الحكم.
في كليلة ودمنة أنّ بيدبا الفيلسوف قال لدبشليم الملك:" ثلاثة لا تقربَنَّها، معاشرة الظُلّام، وكشف الأسرار، وتذوق السمّ على سبيل التجربة"، فيا ليتهم يجرّبون السم مرة واحدة، بدلاً من أن يجرعونا إياه بطيئًا على مدى أعمارنا.
لقد بَشِمْنَ وما تفنى العناقيدُ، يقول أبو الطيب،
أما نحن فنقول: هل بقي من كرمة أو عنقود؟
فلنعد إذن إلى أحمد شوقي إذ يقول:
وَقَــــــــفَ الهُدهُدُ في بــــــــــــابِ سُـــــلَيمانَ بِــــــــــــذِلَّه
قالَ يا مَولايَ كُن لي عيشَتي صارَت مُمِلَّه
متُّ مِن حَبَّةِ بُرٍّ أَحدَثَت في الصَدرِ غُلَّه
لا مِــــــــــياهُ النيلِ تــــــــــُرويها وَلا أَمواهُ دِجـــــــلَه
وَإِذا دامَت قَليلاً قَتَلَتني شَرَّ قتلَه
فَأَشارَ السَيِّدُ العالي إِلى مَن كانَ حَولَه
قَد جَنى الهُدهُدُ ذَنباً وَأَتى في اللُؤمِ فَعلَه
تِلــــــــــكَ نارُ الإِثمِ في الصَدرِ وَذي الشــــــــــَكوى تَعِلَّه
ما أَرى الحَبَّةَ إِلّا سُرِقَت مِن بَيتِ نَملَه
إِنَّ لِلظالِمِ صَدراً يَشتَكي مِن غَيرِ عِلَّه
وعلى إيقاع هذا الرويّ، أتذكَّرُ دعواتِ العجائزِ في قريتي حينَ كنَّ ينقَمْن على أحدٍ فيقُلْنَ له: "علّة تعلّك انشالله".
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا