مع الأزمات الكثيرة التي تقع على كاهل اللبناني، كانت تلك المتعلّقة بسعر الصرف ومشكلة "العملة الصعبة" هي الاسوأ. فبين ان يصل سعر صرف الدولار إلى عشرة آلاف ليرة، وبين أن تعلق أموال المودعين في المصارف من دون أي طريقة للحصول عليها، وقع اللبناني.
أزمة قلبت المقاييس، فـ"المرتاح" بات اليوم بحاجة الى "واسطة" لتحصيل حقّه، و"المحتاج" بات اليوم في حالة يرثى لها. ودولتنا في "خبر كان". وفي ظلّ غياب الدولار عن جيوبنا، توالت المشاكل والمصاعب تلو الاخرى، والابرز كانت: العاملات الاجنبيات وتأمين الاهالي الاموال لأولادهم الطلاب في الخارج.
العاملات الاجنبيات ومشاكل "سعر صرف الدولار"
من حقّ العامل/ة الحصول على حقّه بالكامل وفق الاتفاق المنصوص عليه للعمل، فكان بطبيعة الحال، الحقّ للعاملات الاجنبيات بتقاضي رواتبهم بالدولار الاميركي. الأمر الذي بات شبه مستحيل على المواطن اللبناني، في ظلّ إرتفاع سعر الصرف، ومشكلة سحب الاموال من المصارف.
من هنا، بدأت المشاكل والفيديوهات تنتشر. عدد كبير من المنازل صرف العاملات الاجنبيات من دون اي تبرير ومن دون إنذار وبطريقة لا تمتّ الى الانسانية بصلة. اوصلت العاملات إلى امام السفارات، بعد ان "تخلّت" المكاتب عنهنّ ايضاً لرداءة الوضع الاقتصادي الذي نمرّ به.
أمر مجحف بحقّ العاملات الأجنبيات، فهنّ بشر كغيرهن وحقوقهن من الضروري ان تكون محفوظة؛ فكان لوزارة العمل تحرّك بهذا الصدد.
إذ أعلنت وزيرة العمل لميا يمّين عبر حسابها الخاص على "تويتر" منذ أيّام عن اطلاق "عقد العمل الموّحد الخاص بالعاملات /العمّال في الخدمة المنزلية. عقد عمل يحفظ حقوق العاملات ويضمن تمتّعهنّ بأبسط مكتساباتهن، ويبدأ العمل به في 21 من ايلول الجاري.
تفاصيل "صادمة" أكثر عن العقد
أوضح العقد الذي نشرته وزارة العمل، انّه على المواطن ان يدفع للعاملة بنهاية كلّ شهر عمل كامل الأجر "بالعملة المتفّق عليها" من دون أي تأخير على الّا يقلّ عن الحدّ الأدنى للأجور الرسمي، محسوماً منه نسبة التقديمات العيّنيّة التي يقوم بها صاحب العمل (بدل المأكل، الملبس، والسكن..) على أن تحدّد نسبة الحسم من قبل وزارة العمل.
مصادر وزارة العمل شرحت لموقع vdlnews البند المطروح، معلنةً ان الاجر "الذي لا يقلّ عن الحدّ الأدنى للأجور" مقسوم إلى الراتب الذي تتقاضاه العاملة من جهة والتقديمات من جهة اخرى. واكّدت انّ نسبة التقديمات العينيّة التي تعلن عنها الوزارة تحدّد وفق دراسة تقوم بها الوزارة.
ولكن مع مشكلة "دولار السوق السوداء"، أشارت المصادر عينها انّ العقد وضع وخضع للدرس لوقت طويل، في وقت سبق الازمة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها لبنان، وقالت: "الاشكالية اليوم ليست بحقوق العاملات بل بأزمة سعر الصرف والأزمة الاقتصادية، فالموضوع مستقّل نهائياً عن العقد".
فاليوم، الحدّ الادنى للأجور يصل إلى 675000 ليرة لبنانية: إذا نزعنا منه "التقديمات العينيّة" يبقى سعر الراتب المفروض على المواطن دفعه للعاملة. ففي حين كان هذا السعر يتراوح "إيّام الـ1500 للدولار" بين الـ200$ والـ250 $، تبقى هذه الكلفة ثابتة على "إيّام الـ 8000 للدولار"، وعلى اللبناني دفعها "بالعملة المتفّق عليها" كاملةً حتى ولو كانت وحدها أعلى بكثير من الحدّ الادنى للأجور بذاته.
يعني وبالعربي المشبرح: الدفع بالدولار وحسب الاتفاق بين الطرفين، لا تعديل، لا نقصان ولا اخذ بعين الاعتبار سعر الصرف.
نعم، حققّت وزارة العمل انتصاراً للعاملات الاجنبيات في تحصيل حقوقهنّ ولا نزاع على الموضوع، إنّما تتمثّل الثغرة الحقيقية في هذا الانجاز، بأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية الحاصلة وانهيار الليرة اللبنانية، وبالتالي قدرة المواطن اللبناني على الدفع في ظلّ وضع استثنائي بكلّ المعايير. فأين الحلّ الوسط؟