كريم حسامي
بعد مرور 100 عام على "تركيب" الشرق الأوسط.... "صار" وقت تغيير المعادلات السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة والاوضاع الجيوسياسية وتكوينة الدول والشعوب، وذلك في خضّم فوضى عارمة على كل الصعد تشمل كل الدول فيما تستفيد منها القوى الاقليمية والدولية من أجل مصالحها.
فالاحداث التي نشهدها خير دليل على هذا الكلام لانها تؤدي رويدا رويدا الى قلب الامور رأسا على عقب وتغيير مسارها وفق ما يشتهيه "المنتصرون"، ما يفتح المجال لرؤية أمور لم تكن على بال الكثيرين مثل التحالف الاماراتي-الاسرائيلي.
وللتعقيب على آخر التطورات، أجرى موقع “vdlnews” مقابلة مع رئيس قسم العلوم السياسية والإدارية في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية البروفيسور الأمير وليد جميل الأيوبي، وهذا نصّ المقابلة:
1- بعد التحالف الاماراتي-الاسرائيلي وإقدام دول عربية أخرى قريبا على الخطوة نفسها إضافة الى قول مهندس "صفقة القرن" جاريد كوشنر أن هذه التطورات التاريخية هي البداية فقط، هل ينتهي تسلسل الأحداث بتحالف إيراني-إسرائيلي (كما قال ترامب) في السنوات المقبلة خصوصا مع تحوّل اسرائيل رسميا ورويدا رويدا قائدا للشرق الأوسط وأفريقيا؟
المصالح هي اللغة التي تفقهها السياسة الواقعية، ولذلك فلا عجب إذا شهدنا صلح إيراني-إسرائيلي في يوم ما تتقاطع فيه مصالح الدولتين والدول العظمى الراعية لكليهما. والدليل على هذا الكلام ما حصل خلال حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق عندما توسطت تل أبيب لتزويد طهران بالسلاح الأميركي بقرار من الإدارة الأميركية (وبعضهم يقول أن تل أبيب زوّدت طهران بالخبراء العسكريين خلال تلك الحرب). وذلك عندما صدّرت واشنطن السلاح الى طهران لاستعماله ضد الكونترا في نيكاراغوا رغم الحظر الرسمي على هذا البلد من السلطات الأميركية.
ومن الأهمية التذكير بأن للدول العظمى تصوراتها الخاصة بها عن مستقبل الشرق الأوسط التي قد تتقاطع وتتعارض الى حد التناقض، فهناك التصور الأميركي الذي يسعى الى إقامة منطقة شرق أوسطية تضم إليها تركيا والدول العربية ويسثني منها إيران، والتصور "الأوروبي" ولا سيما الفرنسي-الألماني الذي لا يستثني إيران من مشروعه، والتصور الروسي-الصيني. كما توجد مشاريع إقليمية فرعية أبرزها المشروع الإخواني التركي ومشروع الهلال الشيعي.
2- هل تُخفّف ايران الضغط عنها سياسيا بـ"مسايرة" أميركا عبر فرنسا مقدمة التنازل وتسمية رئيس حكومة لتأليف الحكومة اللبنانية وعسكريا عبر السماح لحزب الله بسحب عددا من مقاتليه في سوريا في وقت تعود للتشدّد مع فرض عقوبات عبر عرقلة المبادرة الفرنسية؟
تسمو المصالح الأميركية الفرنسية على مصالح كلا الطرفين مع إيران علماً أن السياسة الخارجية الفرنسية كانت مائزة جدا أيام الرئيس شارل ديغول حتى عن السياسة الأميركية لكنها فقدت من خصوصيتها كثيرا نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي وسيادة القطب الأميركي على العالم. ولا يزال لهذه السياسة المستقلة ترسُّبات تُعبّر عنها فرنسا من حين الى آخر عبر موقفها من الأحداث خارج نطاق الجغرافيا الفرنسية لكن مواقف باريس وواشنطن تكاد تكون متطابقة اليوم.
إن هامش المناورة الذي يتمتع به "حزب الله" والرهان على الدول الغربية المستقلّة كفرنسا، يتضاءل يومياً في حين أن الضغط السياسي عليه وضغط الرأي العام الدولي والعربي واللبناني منذ ثورة 17 تشرين، يتعاظم يومياً ما يفسّر استدعائه للآلاف من مقاتليه من سوريا.
أما بخصوص موافقة الحزب على تسمية رئيس الحكومة الحالي، فلا يمكن اعتبارها تسوية لأنّ الرئيس المكلّف هو الإبن المدلّل للمنظومة السياسية والموافقة على تسميته ليست تقاطعا مصلحيا مرحليا بين فرنسا وإيران وحسب، فرئيس الحكومة، إضافة الى كونه الإبن المدلل للمنظومة السياسية، فهو يحمل إرثا ثقافيا فرنكوفونيا، وثقافة غربية لاتينية، ناهيك عن دور الوسيط الاقتصادي النزيه الذي يضطلع به.
وبما أن فرنسا لاعب أساسي في الصراع الدولي على الطاقة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وإيران أيضا من خلال "حزب الله"، إضافة إلى تركيا ومصر والكيان الصهيوني وقبرص واليونان وقطاع غزة، فقد دفعت المنافسة الدولية على المنطقة إيران الى التنسيق مع فرنسا صونا لمصالح الطرفين.
3- إسرائيل تُكشّر عن أنيابها من خلال تنفيذ ضربات عنيفة وموجعة على مواقع ايرانية في سوريا تُضاف اليها الضربة الهائلة في بيروت، فهل تذهب في المرحلة المقبلة لضربات أكبر وأوسع خصوصا قبل الانتخابات الأميركية؟ أم أن الأزمة يمكن أن تنتهي سلميا؟
للديناميات السياسية داخل الدول، ولا سيما الديمقراطية منها، تأثيرها الكبير على سياستها الخارجية. ومن الطبيعي أن يلجأ الرئيس الأميركي الى تحقيق إنجازات على مستوى السياسة الخارجية كسعيه لتطبيع دولة الإمارات مع الكيان الصهيوني واعتراف دولة كوسوفو التي وافقت على إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب وصربيا التي قرّرت نقل سفارتها من تل أبيب الى القدس وتحريض تل أبيب وتوفير الغطاء السياسي والاستراتيجي لها لاستهداف القوات العسكرية الإيرانية في سوريا كسباً لتأييد اللوبي اليهودي في السباق على الرئاسة الأميركية.
فالصراع بين تل أبيب، رأس حربة المشروع الأميركي في المنطقة، وطهران رأس حربة المشروع الروسي الصيني، مستمر ومستعّر، والضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا وغيرها سِوى رأس جبل الجليد المتعلق بالصراع الاستراتيجي بين الطرفين.
ولن يستكين هذا الصراع سوى بانتصار عسكري لطرف على آخر، وهذا احتمال مستبعد حالياً، أو بتسوية دولية يبرمها أفرقاء النزاع، وهذا احتمال وارد. وأيّ تسوية ستلحظ انسحاب الدور الإيراني وغير الإيراني من البلاد العربية الى داخل حدود هذه الدول المعترف بها دوليا.