الإصلاح القضائي
الإصلاح القضائي

خاص - Sunday, February 23, 2020 7:38:00 AM

 

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس - 

أظن أن كثيراً من قارئي هذه المقالة سيجدونها خارج اهتمامهم المباشر، ولكن تعبير "الاصلاح القضائي" أصبح على كل شفة ولسان، وصار بالتالي، من حق المواطن العادي أن يعرف بشكل مبسّط، معنى هذا الاصطلاح، ومدى تأثيره على الحياة اليومية للمواطنين، لأن دورة الحياة تقوم بالدرجة الأولى على الاقتصاد والأمن وهما لا يستقيمان إلا بوجود المرجعيات القضائية التي تؤمن استقرار المعاملات وسرعة البت  بالنزاعات القانونية، وبالاطمئنان إلى عدم وقوع القضاء تحت التأثيرات المختلفة.

ربما ستصدر بين يوم وآخر التشكيلات القضائية الجديدة التي يسعى مجلس القضاء الأعلى أن تكون على أفضل الممكن من الملاءمة، كما فهمتُ من الرئيس الأول سهيل عبود الذي يعوّل اللبنانيون على وجوده على رأس القضاء آمالاً كبيرة، لِما يتمتع به من صدقية ونزاهة وعِلم وتصميم وإرادة، ولا يستغرب الشيء من معدنه فهو ابن الرئيس الأول في الشمال سابقاً المرحوم  نديم عبود، وهو حفيد جدّ الأدب مارون العظيم الذي إذا قرأته أنار لك دروب الأدب والشعر العربي منذ الجاهلية وحتى أمين نخلة وسعيد عقل.

أتمنى لهم التوفيق في مسعاهم وخاصة للرئيس غسان شبل  عفيف عويدات، وأرجو ألا يحبطهم محبط، أو لا يعيقهم معيق، وألا يعاد انتاج التشكيلات الحالية التي لم تقع عيني على أسوأ منها، منذ انتسبت إلى المحاماة قبل 53 سنة.

كل من في المجلس أخيار ولكن السياسة الفاسدة والمفسدة تجعل القضاء بحاجة إلى سياج منيع يحول بينه وبين الدنايا التي يدمن عليها كثير من قادتنا العظام.

أعترف لكم أن أسفاً في قلبي لمّا يزل، بسبب انتقالي في اللحظة الأخيرة من وزارة العدل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ولهذا حاولت مع الذين تناوبوا على المنصب سابقاً ولاحقاً أن ألفت النظر إلى أمور بسيطة جداً لا تحتاج إلى معركة كبرى   لاستصدار تشريع جديد لاستقلالية السلطة القضائية، ذلكم أن الاصلاح القضائي هو بالمتناول بالاجراءات الادارية وببعض التجميل التشريعي، وبنقل البنى التحتية القضائية من العصر العثملي إلى عصر الحداثة، وباتباع برامج حديثة سيساعدنا عليها الاتحاد الاوروبي وقد أصبحت معتمدة في معظم الدول.

وعليه، ومن باب المواكبة، أخاطب القرّاء الذين قد يتمكن أحدهم من إعلام معالي وزيرة العدل الجديدة بملاحظاتي التي تحصلت عليها من وقوفي الطويل في ردهات الخطى الضائعة بانتظار نداء الحاجب على اسمي لكي أدخل الى قاعة المحكمة مستمهلاً او مكرراً لأقوالي السابقة.

أولاً: لاشك أننا نعوّل على نوعية القاضي وتربيته ونشأته، وعلمه وثقافته، وصحته النفسية، ولكن القاضي لا يطلب منه أن يكون معقّماً ترتد عنه الجراثيم خائبة، بل المطلوب أن يوضع في جو معقّم، وهذا لعمري أجدى وأسهل.

ثانياً: إن ارتكاب عقد الجلسات في القضايا المدينة، ما خلا الاستجواب وسماع الشهود والمرافعة تستوجب المساءلة لكل من القاضي والمحامي معاً، تجنباً  لاستهلاك حرام للوقت الثمين ومخالفة للقانون.

ثالثاً: اذا لم تعتمد البصمة الالكترونية، أو التوقيع الالكتروني في التبليغ، فإنّ العدالة بجلالة قدرها ستظل رهناً لنشاط أرجل موظفي دائرة المباشرين.

 رابعاً: إِلغاء التدوين على محاضر الجلسات لتحرير العدالة من رداءة خط الكاتب أو لهفوات الألفاظ، وحفظاً لأوقات المتقاضين، واللجوء إلى الوسائل السمعية والبصرية والستينوغراف التي أصبحت معتمدة في معظم الدول.

خامساً: إصدار تشريعات تُعيّن الحد الأقصى لصدور الاحكام تحت طائلة الامتناع عن إحقاق الحق، إلا في بعض الحالات الاستثنائية، التي تقتضيها بعض الدعاوى وبشروط صارمة كما هو  معمول به في التحكيم.

سادساً:  عدم قبول الطالب في معهد الدورس القضائية، إلا بعد أن يمارس المحاماة لمدة سنة على الأقل.

سابعاً: إنشاء معهد للمساعدين القضائيين، لا يدخله إلا المجازون جامعياً، لكافة الفروع التي تحتاجها المحاكمات.

ثامناً: تعزيز صندوق التعاضد بما يريح القاضي من الانهماك في علم الحساب  والفواتير والمصاريف،  لينصرف الى ملفاته واجتهاداته.

تاسعاً: توسيع التفتيش القضائي، وإنشاء مقرات  له في المحافظات. (هنا أتوقف لأروي لكم أن الرئيس طارق زيادة نائب رئيس المجلس الدستوري السابق، ورئيس التفتيش القضائي السابق، سأله أحد المسؤولين إذا كان يرغب بأحد الضباط لمساعدته في عمله، فأجابه بالمثل الشعبي المشهور"حدا بيجيب الدب على كرمه"، وعليه فإن على التفتيش  أن يطرد الدببة من الكرم).

أقول قولي هذا وأستغفر لي ولكم، وللمتقاضين، ولا يفوتني أن أشير أن المركب اللبناني الذي هو على وشك الغرق لا يبحث الآن عمن يعيد طلاءه، ولكن ما اقترحه ليس طلاءً، بل هو إعداد لبيت نظيف حديث وانيق، يخجل القذرون من تدنيسه.

أصدقائي لا بأس بالشعر نهاية:

رَوْنَقُ العُمْرِ تَلاشى في بلاطِ الخُطُواتِ الضَّائِعَهْ

مِلْءَ ثَوْبَ دَاكِنِ الهَيْبَةِ أَخْتالُ كَأَنِّي

في سماءٍ سَابِعَهْ

مِلْءَ صَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ ...

كُنْتُ أُدْلي بالأمورِ القَاطِعَهْ

فَوَجَدْتُ الحقَّ بُهْتاناً .. إذا تَاهَ التَّقاضِي

في فَضَاءاتِ الدُّفوعِ الشَّاسِعَهْ

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني