النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
فوجئت كما فوجئ كثيرون بكلام متوهّم عن ورود اسمي لتشكيل الوزارة، فسارعت إلى النفي مشبّها الأمر بمن ألبسوه ثوب العريس في غفلة من العروس وأهلها وفي غفلة منه أيضاً. وأضفت إن رئاسة الحكومة ليست لقطة تقع من حائزها، فيكتِمها من يلتقطها ويزعم ملكيتها، بل وجدارته لها، فهي معادلة دولية ومحلية وقع اختيارها على السفير مصطفى أديب مع كثير من الإحاطة والضمانات.
ولكنني في حديثي مع الرئيس سعد الحريري الذي أكد لي بأنه يقيمني مقام نفسه ولذلك استبعدني من الترشيح أسوة به، قلت :"لقد لفَّتني الإشاعة لمدة ساعات وازدحم هاتفي برفض العائلة والأصدقاء ووجلهم، وامتلأت الشاشات بصوري فما كان مني إلا أن أذكر بالمثل المشهور :" بارك الله بتجارة العطر، إن فاتك ربحها ما فاتك ريحها".. وهكذا تعطّرت بالإشاعة وأجمل ما فيها أنها كانت إشاعة.
طبعاً أتمنى للرئيس مصطفى أديب التوفيق، وأعوّل على الدعم الذي وُعِدَ به خارجياً وإقليمياً، وإلا فإنني على ثقة أنه ليس مكرّراً لتجربة الدكتور حسان دياب، لأن الدائن المرتهن المرابي لا يهدف إلى استرداد دَيْنه مع الفائدة الربوية المركّبة والمحرّمة، فحسب بل هو يلاحق المديون على ثمن كفنه، والتجارب مليئة بالأمثلة ، منها ما حدث لحكام كانوا أنصاف آلهة، ثم لم يجدوا مكاناً يتمتعون فيه بثرواتهم، أو قطعة أرض تواري جثامينهم، وذلك لعمري – رحم الله الرئيس الشهيد رشيد كرامي- من نتائج طبائع الاستبداد التي أفاض في شرحها عبد الرحمن الكواكبي.
نحن في لبنان لا نتوقف عن الإسراع إلى الهاوية إلا إذا ردعتنا يد خارجية قوية، وهذا ما فسّر لي الأدب الجم الذي تحلت به القوى السياسية، فأسرعت إلى الموافقة على تسمية شخصية غير معروفة من قبلها، واستعدادها للموافقة على البيان الوزاري الفرنسي الذي وزعه الرئيس ماكرون مفصّلاً ومترجماً إلى العربية.
إنني اعتبر تكليف الدكتور مصطفى أديب فرصة دولية لاقت قبولاً محليا مرغماً، بعد أن تهرأت الدولة تحت قبضة الأيدي التي لا تتسم بالرأفة، ونبض قلوب خالية من الشفقة، وتوجيه عقول يحكمها الإنكار فترفض النصيحة، وتكره الناصحين، الأمر الذي أعادني كما في مقالات سابقة إلى محفوظاتي القديمة، بتذكير من الصديق والأخ السفير اللواء مروان زين، بأرجوزة أمير الشعراء أحمد شوقي (ملك الغِربان ونُدُور الخادم)
كان للغربان في العصر مليك وله في النخلة الكبرى أريك
فيه كرسي، وخدر، ومهود لصغار الملك أصحاب العهود
جاءهُ يوماً ندورُ الخادمُ وهوُ في البابِ الأمينُ الحازمُ
قال: يا فرعَ الملوكِ الصالحينْ أنت مازلتَ تحبُّ الناصحينْ
سوسةٌ كانت على القصرِ تدورْ جازتْ القصرَ، ودبتْ في الجُدور
فابعَث الغربانَ في إهلاكها قبلَ أن نهلكَ في أشراكها
ضحكَ السلطانُ من هذا المقال ثم أدنى خادم الخيرَ، وقال:
أنا ربُّ الشوكةِ الضافي الجناح أنا ذو المنقارِ، غلابُ الرياح
"أنا لا أنظرُ في هذي الأمور" أنا لا أبصر تحتي بانُدور!
ثم لما كان عامٌ بعد عامْ قام بين الريحِ والنخلِ خِصام
وإذا النخلة أقوى جِذعُها فبدا للريحِ سهلاً قلعُها
فهوتْ للأرضِ كالتلِّ الكبير وهوى الديوان، وانقض السرير
فدها السلطان ذا الخطب المهول ودعا خادمهُ الغالي يقول:
يا ندورَ الخير، أسعفْ بالصياح ما ترى ما فعلتْ فينا الرياح؟
قال: يا مولايَ، لا تسأل نُدور "أنا لا أنظر في هذي الأمور"!