الاعلاميّ د. كريستيان أوسّي
حتى الآن، نجح "ايمانويل ماكرون" في تجاوز المطبّات اللبنانية والتعقيدات المتناقضة، وأوجد القاسم الذي اتّفق كل الزعماء المتعارضين على التشارك في شأنه والقبول به.
فجأةً، طُرِحَ إسمٌ من خارج سياق نادي رؤساء الحكومات، فجأة لاقى اسمه ترحيباً شبه إجماعي، وفي أقل من يوم، أفضت الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا الى صدور تكليف إستُقْبِلَ به رئيس فرنسا في مستهل زيارته الثانية الى بيروت في غضون ثلاثة اسابيع.
أكثر من ذلك:
عاد الرئيس سعد الحريري عن رفضه زيارة قصر بعبدا، سمّى أعضاء نادي رؤساء الحكومات من مواقعهم النيابية السفير مصطفى أديب، بعدما كانوا عاندوا سابقاً في رفض الدكتور حسّان دياب لأنه لا يمثّل الطائفة السنّية.
في خلال حركته المكوكية بين بيروت وجاج، المتزامنة مع حلول ذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، طرح الرئيس الفرنسي الكثير من العناوين في إطار جدّي جداً، وصارم جداً، فقبله كل المعنيين، حتى أولئك الذين يصرّون دوماً على مبدأ السيادة، كما أولئك الذين يتمسّكون بالمعاندة .
غادر الضيف الفرنسي الى العراق، وانتهت الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلّف سريعاً: تنازل أفرقاء أساسيون عما كانوا يعتبرونه حقاً لهم في حقائب، وصار التسهيل اسلوباً وطريقة عمل.
كيف فعل ماكرون كل ذلك، بل كيف تمكّن من تحقيق ما حققّ وهو لا يحمل عصا سحرية؟
الواضح ان باريس، وبعد تنسيق مع الولايات المتحدة، أخذت حيزاً تعمل فيه، ويهدف الى التدخّل الفاعل في بيروت من أجل استيعاب دور حزب الله الاقليمي في مقابل إدخاله وإدماجه الحياة السياسية في منظومة جديدة قادرة على سلوك طريق النهوض الاقتصادي المدعوم دولياً، والمستند الى اصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية، في إطار شامل يحفظ للمجموعات اللبنانية حضورَها، ولاسيما المسيحيين منهم، الذين كانوا (من خلال البطريرك الياس الحويك) اساساً في إعلان دولة لبنان الكبير الذي اطلق الجمهورية المستقلة.
وهذا من خلال نظام إداري جديد يصون الذاتية في التعددية ...
هذه المهمة الفرنسية الصعبة مدعومة دولياً، الا انّ مساحتها الزمنية ليست مفتوحة، بل هي محكومةٌ بمواعيد مهمة، مثل الانتخابات الرئاسية الاميركية والمسار الذي ستسلكه المفاوضات مع إيران.
من هنا إستعجال ماكرون في تحقيق التغيير، ففرنسا تدرك ان العالم مشغول بالكثير من الامور، لكنها تدرك ايضاً ان على المسؤولين اللبنانيين مسؤولية تاريخية راهناً في وجوب الافادة من هذه الفرصة المتاحة أمامهم لإرساء واقع صلب للبنان، يصلح لأن يحضّره لمئة سنة مقبلة، وإلاّ فإنه، كما قال، سيكشف المعرقلين ويسمّيهم وسيكون لبنان خاضعاً للمساءلة إذا لم يتجاوبوا.
المهمة صعبة ومعقدة، فبعد إطلاق الحكومة سيكون هناك بحث في الاصلاحات ومنها تركيبة النظام بما هو أبعد من دور حزب الله العسكري، فكيف سيكون التعاطي مع الدولة المدنية وكيف سيناقش الحياد؟
البعض يقول ان عقوبات قد تشمل مسؤولين، اذا لم يتجاوبوا، الا ان ما هو اهم من اموال المسؤولين وممتلكاتهم، مصيرُ شعبٍ، حياةً وممتلكاتٍ ومستقبلاٌ وديمومةَ وطن...
فاذا أحجم المعنيون عن تلقّف المبادرة الفرنسية، فإن كل العالم سينكفىء عن مدّ يد الدعم الاقتصادي لوطن صار في حاجة الى اي عون يرد اليه من الخارج...
هذا يعني إذا حصل ،لا سمح الله ،دخول الوطن وبنيه دوامة النزول الى الجحيم... وقد تكون هذه العقوبة الأقصى... إذ لن تقوم لنا من بعدها قائمة!