في خضمّ التظاهرات والاحتجاجات التي تعمّ لبنان، لم ير ذوو الاحتياجات الخاصة أنفسهم يوما متردّدين في النزول الى الشارع، أولا لأجل لبنان وثانيا لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية لهم، فهؤلاء الاشخاص لا يختلفون عن غيرهم الا بشيء واحد الا وهو أن حقوقهم المنسية مضاعفة وما يتحمّلونه من ضغوط واعباء ألقيت على عاتقهم تفوق الطبيعة خصوصا بعدما علموا أن المؤسسات التي تعنى بهم والتي احتضنتهم لسنوات مهددة ايضا بالاقفال.
"حرام... ما بيقدروا"، بهذه العبارة يرى البعض نفسه "فاعل خير" أو داعمًا باعتقاده أنه يبعد عن ذوي الارادة الصلبة التعب والجهد، لكن الواقع مختلف فهذه العبارة بنظر هؤلاء هي الزيت الملقى على النار المشتعلة في نفوسهم وهي قادرة على تدمير ما تبقى من معنويات.
انطلاقا من هذا الاقتناع، وتحديدا في اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، كانت مبادرة لافتة للجنة الدولية للصليب الاحمر التي اخذت على عاتقها مساعدة هؤلاء معنويا ودعمهم للوصول الى تحقيق مطالبهم المحقّة.
"يجب ان تتغير نظرة المجتمع اللبناني الى ذوي الارادة الصلبة لنصل الى الدمج الاجتماعي"، هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع باللجنة الدولية للصليب الاحمر الى اطلاق حملة، بالشراكة مع جمعية "ARC EN CIEL"، تكون غايتها هذا التغيير، وفق ما أكدت المتحدثة باسم اللجنة رونا الحلبي، مشيرة الى أن الحملة تبدأ اليوم من خلال فيديو ينشر على محطات تلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وستستمرّ لمدّة سنة كاملة اذ ستتضمّن مشاريع مقسمة على ثلاث مراحل.
وشرحت الحلبي في حديث لموقع VDLnews ان الفيديو يظهر فيه حوالى السبعة اشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لكل منهم حالة معيّنة اما جسدية أو عقلية، ومن بينهم الشاب محمد الزعبي الذي عرف في طرابلس والذي ضجّت مواقع التواصل بصورته اذ ان قدمه المبتورة لم تمنعه من تنظيف أحد شوارع المدينة خلال الانتفاضة، موضحة أن الفيديو يسلّط الضوء على الحياة اليومية والطبيعية التي يعيشها هؤلاء الاشخاص والتي لا تختلف عن الحياة التي يعيشها مختلف الناس.
واشارت الى أن الرسالة التي يهدف اليها هذا الفيديو موجّهة بشكل مباشر الى المجتمع الذي يعيق حياة هؤلاء بأفكاره عنهم وبنظرته اليهم، والغاية منها توعية المجتمع على كيفية التصرف مع ذوي الارادات الصلبة بطريقة عادية بعيدا عن اعتبارهم مختلفين.
وتشرح الحلبي احد الظروف التي يمر بها ذوو الاحتياجات الخاصة والتي تعتبر مهينة بعض الشيء، فتذكر على سبيل المثال أحد طلاب الجامعات الذي يضطر أحيانا الى التوقف على جانب الطريق فيعتقده البعض متسوّلا اذ انه يجلس على كرسي متحرك بسبب حالته الخاصة، وهذه الحالة ليست الا عيّنة بسيطة عن نظرة المجتمع لهؤلاء الاشخاص.
وتؤكد الحلبي أن المرحلة الثانية من هذه الحملة عبارة عن ورشة عمل تستهدف ذوي الاحتياجات الخاصة والغاية منها توعيتهم وتعريفهم الى كامل الحقوق التي يكفلها لهم القانون والتي معظمها -ان لم تكن جميعها- غير مطبق، لافتة الى مطالبات بتغيير القانون رقم 220 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة اذ أن بعض نصوصه لم تعد تلبي ما يحتاجه المعنيون به.
واضافت ان المرحلة الثالثة من الحملة هي استكمال للثانية اذ ستشمل العمل على تطبيق هذه القوانين المتعلقة بذوي الارادة الصلبة وتوفير الشروط الاساسية لتحقيق الدمج الاجتماعي، مذّكرة في السياق عينه بوجوب تطبيق موضوع تخصيص نسبة من فرص العمل لذوي الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي لا يُطبق في لبنان.
واذ أكدت الحلبي أن أولوية اللجنة في العام 2020 هي الدمج الاجتماعي، لفتت الى ان حملات سابقة متعلقة بالرياضة اقيمت للغاية ذاتها، كاشفة التحضير لفيديو ثانٍ موسّع اكثر يظهر ايضا ضرورة تغيير نظرة المجتمع الى ذوي الاحتياجات الخاصة.
"هؤلاء الأشخاص قادرون، انما هل نحن جاهزون كمجتمع لتقبّلهم كأي شخص"، سؤال طرحته الحلبي قد يطرحه ايضا معظم الناس على أنفسهم، معتبرة أن "هم قادرون لكن نحن من نعيقهم" بنظرتنا اليهم.
وردا على سؤال عن الرسالة التي توجّهها الى هؤلاء الاشخاص الذين اعتبرت انهم الفئات الأكثر تهميشا ومعاناة في لبنان، قالت الحلبي:"لست انا من اعطيهم رسالة، بل الرسالة نأخذها منهم لان لديهم ارادة صلبة، فبالرغم من كل العوائق امامهم الا أنهم يكافحون."
بعد هذه الرسالة القيّمة التي اعطانا اياها ذوو الارادة الصلبة، حان الوقت لـ"ننفض" الذهنية المتشائمة، ونستغني عن النظرة الخاطئة اليهم ونتعلم منهم الامل والمثابرة. فكما جاء دعمهم خلال التظاهرات، لابد من دعم كل فئات المجتمع لمطالبهم وللمؤسسات التي تعنى بهم.
ملاحظة: الفيديو المرفق هو الفيديو الذي نشرته اللجنة الدولية للصليب الاحمر عبر صفحتها في "فيسبوك" اليوم في بداية الحملة التي أطلقتها: