الانضمام إلى لبنان الدولة أو حالة تقسيمية مستحيلة
الانضمام إلى لبنان الدولة أو حالة تقسيمية مستحيلة

أخبار البلد - Tuesday, February 25, 2025 6:17:00 AM

أنطوان مسرّه - نداء الوطن

يعيش اللبنانيون حالة غريبة في إنتروبولوجيا القانون والتاريخ المقارن في كل ما يتعلق بنشوء الدولة واستطرادًا في استعادة الدولة. تنشأ الدولة من خلال سلطة مركزية تحتكر وحدها القوة المنظمة تجاه كل الأطراف الجغرافية والجماعات. تعود الغرابة إلى سلوكيات لبنانية في علم النفس التاريخي psychohistoire وانعدام مثاقفة الدولة في إدراك جماعي لبناني، بخاصة لدى فئات تتستر بإيديولوجيات ومقولات شعبوية. لم يتعلم لبنانيون في كليات حقوق وفي علم التاريخ المقارن كيف تنشأ الدولة في احتكارها وحدها القوة المنظمة. وساهمت قوى الاحتلال المباشر أو بالوكالة منذ اتفاقية القاهرة سنة 1969، التي تمّ إلغاؤها من المجلس النيابي في 21/5/1987، ثم اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006، في ترسيخ إدراك ما قبل القبلية pré-tribal لمفهوم الدولة.

 

1. نشوء الدولة: استغرق نشوء الدولة في بعض الدول في الغرب أكثر من ثلاثة قرون في امتداد جدلية المركز والأطراف:

Norbert Elias, La dynamique de l’Occident, 1939, Pocket no 80, 1975, 320 p.

 

بدأ المسار في حالة فرنسا مع Richelieu في وضع حيث كان ملك فرنسا عملياً ملكاً في باريس تجاه إمارات واقطاعيات. في لبنان بدأ المسار التاريخي الأبرز مع الأمير فخر الدين. لكن يصف مؤرخون امتداد فخر الدين الجغرافي بالنفوذ والهيمنة والتسلّط في حين يندرج ذلك في سياق امتداد مركزية السلطة بهدف الأمن والحماية.

 

على اثر خطاب القسم وانتخاب رئيس دولة وعهد رئاسي وحكومي جديد يواجه اللبنانيون استعادة الدولة التي تحتكر وحدها القوة المنظمة من خلال انضمام كل الأطراف والجماعات في علاقة بين قوى نابذة وقوى دامجة لصالح أو نقيض مركزيتها centripètes et centrifuges.

 

2. ثلاث مراحل في لبنان الحديث: المرحلة الأولى في تاريخ لبنان الحديث حول انضمام كل الأطراف الجغرافية والجماعات إلى مركزية الدولة اللبنانية هي مرحلة إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920. إنه تاريخ نشوء الدولة اللبنانية. قبل هذا التاريخ لم يكن لبنان دولة، بل إمارات واقطاعيات تابعة للدولة العثمانية. حصل إعلان دولة لبنان الكبير بانضمام شامل للمناطق والطوائف، على عكس سجال إيديولوجي سائد، إلى مركزية الدولة.

 

في المرحلة الثانية ما يُميّز الحروب المتعددة الجنسيات في لبنان في السنوات 1975-1990 أن كل الميليشيات، بعقلانية قصوى في ما يتعلق بحاجتها إلى شرعية الدولة، لم تمارس التعطيل للدولة، بل على العكس حافظت كلها على الدولة المركزية. من أبرز الظواهر خلال السنوات 1975-1990 الحرص المستمر للحكومة في الاجتماع والتقيّد بالتضامن الحكومي والوزاري (طوني عطاالله، التضامن الوزاري: دراسة حالة في النزاع والتسوية، 1997، 224 ص).

 

في المرحلة الثالثة على أثر ميثاق الطائف سنة 1989 سعى الرئيس الياس هراوي بجهد مكثّف وبدون جدوى إلى التفاوض مع حالة التمرد في القصر الجمهوري في سبيل استعادة مركزية الدولة. تم القضاء على حالة التمرد في قصر بعبدا سنة 1989. لا يخلو البناء القومي من مركزية القوة المنظمة في سبيل ثبات ووحدانية المركز:

L’édification nationale dans diverses régions, Revue internationale des sciences sociales, Unesco, XXIII, 3, 1971, pp. 365-481, notamment Hans Daalder,

La formation des nations par consociatio : Le cas des Pays-Bas et de la Suisse,

pp. 384-399.

 

3. حالة انفصالية مستحيلة! يمارس سياسيون مخادعون ولبنانيون اتباع، أو يفتقرون إلى التجذر في إدراكهم للدولة، الهروب من واقع تقسيمي في لبنان إلى دولتين بخاصة منذ اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006 بين دولة رسمية ورمزية ودولة رديفة كاملة التسلّح وفي ارتباط إقليمي. انه واقع تقسيمي إلى دولتين.

 

قد يستمر مثقفون بدون خبرة في الهروب من معضلة تقسيمية إلى دولتين في المطالبة بما يصفونه بمركزية "موسعة"، ولامركزية "مالية"، وفدرالية "جغرافية"، أو تكرار شعارات اجترارية في ما يصفونه "بالطائفية" واللاطائفية! يتتم تغطية الحالة التقسيمية بالمطالبة باستراتيجية دفاعية في حوارات وطنية! هذه الاستراتيجية هي في صلب الأمن القومي وذات طابع سري وحصراً في إطار القيادات العليا في الجيش ورئاسة الدولة! هل أعلنت الدولة الرديفة استراتيجيتها الدفاعية وتداولت بشأنها في حوارات ووسائل اعلام؟

يواجه اللبنانيون الطبيعة الجوهرية ontologique للسيادة التي هي بطبيعتها ثنائية dichotomique حيث الجواب: بنعم أم لا، أي خارج المساومات اللبنانية والمعليشية والتموضع والتكاذب والتذاكي!

 

أما اعتبار استعادة الدولة هزيمة أو انتصاراً لهذه الفئة أو تلك فيحتاج، بعد نصف قرن من الساحة والانتقال إلى الساحات، إلى معالجة في علم النفس العيادي ومن خلال تأريخ علمي وواقعي وذاكرة جماعية ومناعة لبنانية رادعة في جوار لبناني عدائي أو هو في إطار تحوّل ديمقراطي.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني