وليد فريجي - نداء الوطن
يكاد يكون لبنان من الدول القليلة جداً التي تعتمد على مطار واحد، وهو مطار رفيق الحريري الدولي الشاهد الحي على العديد من الأزمات والحروب، وهيمنة فريق داخلي عليه طيلة سنوات.
إن موقع المطار على مقربة من مناطق خاضعة لنفوذ "حزب اللّه"، وتهويل قيادييه وكوادره بأنهم على بعد عشرات الأمتار من طريق المطار، وتحويله الطرقات هذه إلى ورقة ضغط سياسي، تُغلَق مع كل تحرّك احتجاجي يقوده مناصروه، تعيد إلى الواجهة، الأصوات المطالبة باللامركزية الجوية من خلال إعادة تشغيل مطارات رديفة وليست بديلة كي لا يستسيغ "الحزب" المطالب هذه، ليعيد إحكام قبضته وبسط نفوذه من جديد على مطار رفيق الحريري الدولي الذي يمثل سيادة الدولة اللبنانية بالنسبة إلى الخارج والداخل.
هذه المطالبات ليست جديدة، لكنها باتت اليوم أكثر إلحاحاً، فمنذ أكثر من عقدين، يُطرح تشغيل مطاري القليعات ورياق كحلّ اقتصادي وتنموي يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل ويحرّك عجلة الاستثمار في مناطق الشمال والبقاع.
انطلاقاً من الحاجة إلى وجود مطارين في لبنان، واستناد مطلب تشغيل مطار القليعات إلى القانون رقم 481/2002، المتعلّق بإدارة قطاع الطيران المدني، الذي يتيح إمكانية تشغيل المطار وتطويره لخدمة المنطقة والشعب اللبناني عموماً، وانطلاقاً من إدراج الملف في مسودة البيان الوزاري للحكومة الجديدة ووعد رئيسها نواف سلام القاطع ببدء العمل على تشغيله، وفي انتظار الإجراءات الرسمية التي تتطلب توقيع وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، وإتمام العملية وفق نظام الـ B.O.T، حيث تتولى شركة خاصة تمويل المشروع وتلزيمه بعد إعداد وزارة الأشغال دفاتر الشروط وطرح مناقصات، نستعرض تاريخ المطارات الخمسة في لبنان، مواقعها، إمكانية إعادة تشغيلها وانعكاس ذلك على تنشيط الاقتصاد والسياحة وتعزيز الاستثمارات.
قبل أن يكون للبنان مطار رسمي، كانت ساحة الكرنتينا الشاهد الأول لهبوط أول طائرة فرنسية صغيرة في 25 كانون الأول 1913 قادها الفرنسي جول فدرين وسط الآلاف من أهالي بيروت، الذين شاهدوا وللمرة الأولى هبوط طائرة في لبنان. وبعد أربعة أيام هبط الطيار الفرنسي الثاني بونيه في الساحة ذاتها.
مطار رفيق الحريري الدولي
على شاطئ عين المريسة في بيروت عام 1920 أنشأ الانتداب الفرنسي مطاراً حربياً. تسطيح الأرض في منطقة بئر حسن، ساهم في اعتبارها مكاناً ممتازاً لتشييد المطار، وهذا ما حصل في العام 1933، حيث أنشأ الفرنسيون مطاراً مدنياً أطلقوا عليه اسم "مطار بيروت الإقليمي" ليُفتتح رسمياً عام 1938.
مواكبة للنمو والازدهار، ازدادت الحاجة إلى توسعة المطار، فوقع الخيار على منطقة خلدة لتشييد مطار جديد، افتتح في 23 نيسان 1954 وعرف بمطار خلدة، حتى بات من أفضل مطارات العالم وعرف معه لبنان مرحلة ذهبية على الصعد كافة.
في 28 كانون الأول 1968، تعرّض المطار لهجوم من قوة كوماندوس إسرائيلية، دمرت 13 طائرة مدنية لبنانية، رداً على اختطاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة إسرائيلية في مطار أثينا.
أرخت الحرب الأهلية في العام 1975 بظلالها السوداء على المطار، وأدخلته نفقاً مظلماً، حيث أُقفل مرات عدة، وضُرب مرة ثانية في 27 حزيران 1976، ليعاد افتتاحه في تشرين الثاني 1976 وتأهيله عام 1977.
بعد خمس سنوات على تأهيله، عاد شبح الحرب ليخيّم على لبنان، ويعرّض المطار للقصف في خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ما تسبب في تدمير 6 طائرات تابعة للشرق الأوسط من نوع "بوينغ 727" وإقفاله طيلة 115 يوماً.
ما كاد ينفض المطار عنه غبار الإقفال والدمار، ويستأنف رحلاته في أيلول 1982 حتى بات تحت قبضة حركة "أمل" و "حزب اللّه" والأخير أسهب في استباحته من خلال خطف الطائرات، وخصوصاً الطائرة الأميركية من مطار أثينا وتحويلها إلى مطار بيروت في العام 1985.
بعد انتهاء الحرب الأهلية شهد المطار مرحلتي إعادة تأهيل في عامي 1994 و 2000 حتى بات قادراً على استقبال 6 ملايين مسافر سنوياً. بعدها وتحديداً في 22 حزيران 2005 ، استبدل اسم مطار "بيروت الدولي" بمطار "رفيق الحريري الدولي" تكريماً لمساهمته الكبرى في إعادة تأهيله وازدهاره.
عادت الحرب لتطلّ هذه المرة من نافذة تموز في العام 2006 حيث تعرّض المطار للقصف الإسرائيلي، ليعاد افتتاحه في 17 آب، بعد إعادة تأهيل ما دمّرته إسرائيل. أحكم "حزب اللّه" قبضته على المطار أمنياً وإدارياً، وانقلب على قرار الحكومة اللبنانية في 5 أيار 2008 القاضي بتفكيك شبكة المراقبة الأرضية التابعة له في المطار، وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير المحسوب عليه. فاجتاح في 7 أيار 2008 شوارع بيروت الرئيسية، وحاول احتلال مناطق في جبل لبنان.
بعد قرار "حزب اللّه" فتح جبهة الإسناد في 8 تشرين الأول 2023، التي أدّت إلى اندلاع الحرب الواسعة على لبنان، وبعد خسارة "الحزب" الحرب وموافقته على اتفاق وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة مراقبة تشرف على تطبيق بنوده، بات المطار تحت قبضة الجيش اللبناني.
عقب شكوك واتهامات لإيران و "حزب اللّه" بتهريب أسلحة وأموال عبر المطار، وتنفيذاً لبنود الاتفاق، منعت السلطات اللبنانية طائرة إيرانية على متنها ركاب لبنانيون من الهبوط في المطار. ما استدعى تحرّك "الحزب" على طريق المطار والاعتداء على موكب "اليونيفيل"، وكيل الشتائم وتهم العمالة والصهينة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
إزاء هذا الوضع، ارتفعت وتيرة الضغط في اتجاه إنشاء مطار مدني رديف وليس بديلاً عن مطار رفيق الحريري الذي يجب أولاً وأخيراً حمايته من هيمنة "الحزب" وسطوته وحماية الطريق المؤدّية إليه.
هذه المطالبات التي تنتظر خطوات عملية من الحكومة الجديدة، تسلّط الضوء على مطارات في لبنان لا تزال في الخدمة الفعلية فيما بعضها بات خارج الخدمة وتحوّل إلى معلم سياحي.
هذه المطارات هي: مطار رينيه معوّض أو مطار القليعات، مطار رياق، مطار حامات، مطار الخيام ومطار بعذران.
مطار القليعات
ازدادت في الآونة الأخيرة، وتيرة الأصوات المطالبة بالمضيّ قدماً بمشروع إعادة تأهيله وتطويره وتشغيله كمطار مدني، وسط اهتمام أميركي وعربي وتحديداً سعودي في المشروع.
يتميّز مطار القليعات بموقعه الذي يعتبر أهم من موقع مطار رفيق الحريري الدولي، بحكم أنه مجهّز برادار يتيح للطائرة الهبوط في أسوأ الأحوال الجوية.
يقع المطار في بلدة القليعات وسط سهل عكار على بعد 105 كلم من بيروت على مساحة 5,5 ملايين متر مربع بمدرج بطول 3200 متر قابل لتطويره إلى 4000 متر وعرضه 60 متراً . يمكن اعتباره شبه جاهز لاستقبال الطائرات المدنية والتجارية الضخمة.
في العام 1934 شيّدته شركة "نفط العراق الإنكليزية" واستخدمته للطائرات الصغيرة التابعة لها.
تسلّمته الدولة اللبنانية في العام 1966، وحوّله الجيش اللبناني إلى قاعدة عسكرية، بمواكبة ومساعدة من فرنسا وحمل اسم "قاعدة القليعات الجوية".
استخدم مطار القليعات خلال الحرب الأهلية لتسيير رحلات جوية من الشمال إلى بيروت بسبب تعذر النقل البري بينهما، حيث وصل عدد الرحلات التي سيّرتها "الميدل إيست" أسبوعياً إلى ثلاث.
حدث سياسي في 5 تشرين الثاني 1989، أعاد الأضواء إلى المطار، عندما هبطت فيه طائرات نقلت النواب لانتخاب حسين الحسيني رئيساً للمجلس، ورينيه معوّض رئيساً للجمهورية وأقرار وثيقة اتفاق الطائف.
بعد اغتيال معوّض في عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1989، قرّر مجلس الوزراء تسمية المطار باسمه.
في العام 2012 صدر قرار عن مجلس الوزراء قضى بتوسعته وتطويره وبقي المشروع معلّقاً حتى اليوم، رهن الفيتو السياسي الذي فرضه "حزب اللّه"، خشية استغلاله لمصالح لا تخدمه.
وفي موقف متقدّم، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل، فايز رسامني، أن مطار القليعات يمثل أولوية لكل من رئيسي الجمهورية والحكومة، بالإضافة إلى أولويته الشخصية وأولوية نواب منطقة عكار. وإذ اعتبر أنه من الضروري أن يكون للبنان مطاران مدنيان، أوضح رسامني أن تمويل المشروع سيتم عبر نظام الـ B.O.T (البناء والتشغيل ونقل الملكية)، حيث يتحمل المستثمر الكلفة مقابل استردادها على مدى سنوات.
مطار حامات
في العام 1976 استجاب الرئيس سليمان فرنجية لطلب الرهبانية المارونية بالحصول على رخصة لبناء مطار في الشمال بسبب استحالة وصول أهالي المنطقة إلى مطار بيروت بسبب الحرب الأهلية.
شيّد المطار في منطقة حامات، فوق رأس الشقعة على حدود بلدة وجه الحجر في قضاء البترون.
يتمتّع مطار حامات بتسهيلات طبيعية تضاهي مطار رفيق الحريري الدولي، وهو مؤهّل حالياً لاستقبال طائرات الهليكوبتر والصغيرة الخفيفة. أما تحويله إلى مطار مدني فهو مكلف للغاية ويحتاج إلى تمويل لصيانة مدرجه وتوسعته.
درس الشيخ بشير الجميّل تقريراً مفصلاً عن المطار، وقرّر مباشرة العمل في موقع حامات. موافقة بشير، جوبهت بمعارضة الشيخ بيار الجميّل باعتباره شكلاً من أشكال التقسيم لكنه عاد واقتنع بالمشروع.
في العام 1976 اشترى حزب "الكتائب" من خلال شركة أسّسها العقارات الواقعة ضمن حرم المطار وسجلها وتقرر تسميته "مطار بيار الجميّل الدولي".
بعد سنتين وتحديداً في العام 1978، اقتحمت القوات السورية المطار وتمركزت فيه، نهبت جميع المعدات وخصوصاً الرادار الذي كان وصل حديثاً من أوروبا، وأصبح مهبطاً لطائرات الهليكوبتر السورية. ليعود جيش النظام السوري وينسحب منه في نيسان 2005، فتسلّمه الجيش اللبناني، وانتقلت إلى جواره مع بداية العام 2010 مدرسة القوات الخاصة.
في 24 أيار 2011 تم افتتاح "قاعدة حامات الجويّة" بعد هبوط أول طائرة فيها.
تشير الدراسات، إلى أن تكلفة إنشاء مطار مدني في قاعدة حامات الجوية، ستكون أقل بكثير من تكلفة توسيع مطار بيروت الدولي. كما أن مطار حامات الجوي يتمتع بموقع استراتيجي مهم، وتحويله إلى مطار مدني، سيشكل دفعاً قوياً للاقتصاد اللبناني.
مطار رياق
أنشأت القوات الألمانية في خلال الحرب العالمية الأولى قاعدة رياق الجوية واستخدمتها في حربها ضد الحلفاء. لكن سرعان ما باتت القاعدة تحت السيطرة الفرنسية بعد فوز الحلفاء، ودشّنها الجنرال "غورو" في آب 1920 بعد توسيع المدارج وتأهيلها وإنشاء أبنية.
تسلّمها الجيش اللبناني في العام 1949 بعدما أخلتها القوات الفرنسية، وأعاد ترميمها من جديد بسبب إهمالها وعدم صيانتها من الفرنسيين طيلة سنوات.
شهد المطار حدثاً بارزاً، يوم استقبل على مدرجه الرئيس سليمان فرنجية في كانون الأول عام 1973 وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر، حينها طلب الأخير بتحويل المطار إلى مدني.
ازدادت في الآونة الأخيرة مطالب العديد من النواب إعداد الدراسات اللازمة لتحويله إلى مطار مختلط عسكري ومدني ضمن مخطط عام للنقل الجوي في لبنان.
مطار الخيام أو المرج
بدأ الجيش البريطاني بناءه عام 1941 لاستخدامه كقاعدة عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية. ينتشر على مساحة عشرة كيلومترات مربّعة، واستغرق العمل فيه أكثر من ثلاث سنوات متتالية.
فاق عدد العاملين في غرفه وتحصيناته، وفي مرائب الطائرات، ومدرجيه الشماليّ والجنوبيّ الشرقيّ المئتين، كانوا من أبناء الجوار ومناطق جنوبيّة بعيدة، من مرجعيون وحاصبيّا والنبطية وبنت جبيل. يتألّف من مدرجين، وكان يضمّ برجاً للمراقبة وغرفة قيادة.
لم يؤدِّ المطار الغرض المنشود من بنائه في مثلث استراتيجيّ بين لبنان وفلسطين وسوريا، كوسيط للطائرات المهاجمة نحو مصر، إذ كان حظّ الطائرات الهابطة فيه، إمّا السقوط أو الأعطال.
أحكمت إسرائيل سيطرتها على الجزء الجنوبيّ من المطار والسهل بعد احتلال العام 1978.
بين عامي 2000 و2001 استعاد لبنان الأراضي المقتطعة من جنوبيّ المطار والمرج، خلال عمليّة ترسيم الخطّ الأزرق. انهارت المرائب، من دون أي اهتمام للجهات المعنية.
مطار بعذران
يقع في الشوف، يقال إن الزعيم الراحل كمال جنبلاط كان قد بدأ بتشييده لدواعٍ عسكرية إبان الحرب الأهلية في العام 1976، ليعمل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لاحقاً على استكماله، ترميماً وتوسيعاً، لاستخدامه عسكرياً ولوجيستياً، لكن مع انتهاء الحرب الأهلية وفرض الدولة سيطرتها، تحوّل المطار إلى موقع سياحي.