الرواتب في لبنان: هل ستصحِح الحكومة الجديدة الأجور في الأشهر المقبلة؟
الرواتب في لبنان: هل ستصحِح الحكومة الجديدة الأجور في الأشهر المقبلة؟

أخبار البلد - Saturday, February 22, 2025 7:28:00 AM

ندى عبد الرزاق - الديار 

خلال أربعة أعوام، عاش اللبنانيون انهيارا اقتصاديا مستمرا، مع تدهور الليرة، وارتفاع الأسعار، وتآكل الأجور، بدءاً من الأزمة المالية وصولًا إلى التضخم الحاد والحرب الإسرائيلية الأخيرة. في ظل هذه الظروف، أصبحت الرواتب بلا قيمة فعلية، حيث لم تواكب الأجور التداعي الهائل في الأسعار، ما ترك العديد من اللبنانيين يتقاضون رواتب لا تتجاوز 150 دولارا شهريا.

في المقابل، تشير الأرقام الأولية لموازنة 2025 إلى استمرار سياسة التعويضات المؤقتة بدلاً من تصحيح هيكلي حقيقي للأجور. لبنان يقف عند مفترق طرق، إما أن تضع الحكومة خطة اقتصادية تعيد الاعتبار للأجور، أو أن يستمر التفاوت الطبقي، حيث يظل معظم اللبنانيين يرزحون تحت وطأة الفقر، بينما تبقى الوعود بلا تنفيذ.

تحسّن الأوضاع عامل جذب دولي!

من جانبه، يؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، الدكتور بشارة الأسمر لـ "الديار"، أن "أول ما كان يجب تحقيقه في هذه المرحلة هو منح مبلغ تسعة ملايين ليرة كغلاء معيشة، وهو ما ينطبق على مئات الآلاف من العاملين الخاضعين لقانون العمل. ويأتي هذا المطلب نتيجة مراجعات تقدّمنا بها أمام مجلس شورى الدولة، إذ إن المرسوم الصادر في نيسان 2024، الذي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 18 مليون ليرة، جاء منقوصا، حيث تم شطب المادة الثانية منه التي تنص على منح غلاء معيشة بقيمة تسعة ملايين ليرة لغالبية الموظفين والعمال المشمولين بقانون العمل، والذين قد يصل عددهم إلى 400 ألف عامل. ويُعدّ هذا المبلغ جزءاً أساسياً من الراتب، وينعكس إيجاباً على مختلف مستحقاته ومتمماته. لذلك ننتظر صدور حكم مجلس شورى الدولة وقد يكون في القريب العاجل أي في غضون أيام او أسابيع قليلة".

ويضيف "نتابع بصورة دائمة وضع الحد الأدنى للأجر الذي لم يعد مقبولا بفعل الازمة الاقتصادية الصعبة التي نعيشها فضلا عن التفلت الكبير في الأسعار، وعدم المراقبة الفعلية التي من المفترض ان تكون على السلع الغذائية. كما ان الوضع الأمني الذي استجد في البلاد ادى الى افلاس مؤسسات وتدمير بعضها في عدة مناطق لبنانية الى جانب الواقع المادي القاسي الذي عانينا منه خلال هذه السنوات، والذي نتج منه خروج المصارف عن العمل ومصادرة أموال المودعين وغيرها من الأسباب التي أثرت في معيشة العمال ذوي الدخل المحدود".

ويكشف لـ "الديار" أن "الدراسة التي اعددناها منذ عدة أشهر حددت الحد الأدنى للأجور عند 50 مليون ليرة، إلا أن الواقع فرض التعامل مع "الفن الممكن"، حيث تم التوصل وقتذاك إلى رفع الحد الأدنى إلى 18 مليون ليرة، مع الاتفاق على منح 9 ملايين ليرة كغلاء معيشة، لكن هذا البند لم يُطبَّق في حينه".

القروض تعيد النبض للاقتصاد الوطني!

ويوضح انه "مع استقرار الأوضاع السياسية بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، يعود ملف الأجور في القطاع الخاص إلى الواجهة. يأتي ذلك في إطار توجه نحو معالجات جدية تتطلب حوارا ثلاثيا بين الهيئات الاقتصادية والدولة، ضمن ثلاثية التمثيل ولجنة المؤشر. كانت أولى الخطوات التي تم اتخاذها، التواصل مع وزير العمل الجديد، حيث تم الاتفاق معه على تحريك هذا الملف بهدف إعادة صياغة الحد الأدنى للأجور وتحديد غلاء المعيشة بما يتناسب مع الواقع الحالي".

ويبيّن انه "في ظل مؤشرات نمو مستجدة، يصبح من الحتمي إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور، خاصة مع التوقعات بربيع وصيف مزدهرين يسهمان في تعزيز الحركة الاقتصادية. فالتدفقات المالية التي دخلت البلاد عام 2023 قُدّرت بنحو 7 مليارات دولار، واليوم نحن أمام موسم سياحي آخر، يترافق مع نشاط في قطاع التزلج وعودة السياح العرب، ما قد يمهّد لمرحلة من الاستقرار والنمو، مما يُتيح إعادة تقييم شاملة للرواتب في القطاع الخاص".

أهمية الاعلان عن المعاش

ويستكمل، "من المؤكد أن رفع الحد الأدنى للأجور والغلاء المعيشي، اللذين يشكلان جزءا اساسياً من الراتب، ينعكسان إيجاباً بنسبة 100% على تعويضات نهاية الخدمة في القطاع الخاص، التي تشمل نحو 450 ألف عامل. ولكن هذه الزيادات لا تحقق المفعول المطلوب لمضاعفة التعويضات بشكل ملحوظ. لذا، ينبغي رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة غلاء المعيشة، بالإضافة الى الافصاح عن الأجر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حتى يتمكن الصندوق من تقديم التعويضات حسب سعر الدولار الذي يُسعّر حالياً بـ 89,500 ل.ل. ونحن نرى أن غالبية التصاريح التي تقدم تحتسب على أساس الحد الأدنى للأجور، علما ان هناك أجزاء كبيرة من القطاع الخاص تمنح رواتب بالدولار تفوق مئات الدولارات إن لم تكن بالآلاف. لذا أشدد على ضرورة التصريح الفعلي عن الأجر لنتمكن من إصلاح واقع التعويضات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولزيادة التقديمات من الصندوق الوطني، مثل الطبابة والاستشفاء، لأننا نعلم أن هذا الصندوق يعتمد على ما نودع فيه مقابل ما نأخذ منه. والمطلوب هو الشفافية في التصريح عند أي رفع للحد الأدنى للأجور أو أي إضافة لغلاء معيشي محدد من حجم التسعة الملايين الذي ننتظر صدور الحكم بشأنه من قبل مجلس شورى الدولة في وقت قريب جداً".

ويقول: "إذا انتقلنا إلى القطاع العام، الذي لا يزال يتقاضى رواتب على دولار الـ 1500 ل.ل. الذي كان معتمدا في عام 2019، فإن العلاوات التي تمنح سنويا تصل إلى 11 راتبا. وللمتقاعدين أيضا، تدخل هذه العلاوات في خانة المساعدات التي لا يتم التصريح عنها فعليا ولا تدخل في صلب الراتب. وما زالت التعويضات في القطاع العام تُحتسب على أساس دولار الـ 1500 ل.ل.، وفق الراتب المعتمد في عام 2019. وبالطبع، عندما نتحدث عن هذا القطاع، نعني جميع القطاعات العسكرية التي تقدر بمئات الآلاف مثل الجيش، قوى الأمن، الجمارك، الأمن العام، أمن الدولة وغيرها. لذلك، لا بد من أن تُدرج هذه المساعدات ضمن حجم الرواتب المضاعفة التي تضاف إلى صلب المعاش، حتى نتمكن من إعادة الاعتبار له، وإن لم تكن كل هذه الرواتب بحجم المساعدات، فجزء منها".

ويتابع "هذا ما طالبنا به الحكومة السابقة، ففي وقت من الأوقات تم تشكيل عدة لجان لدراسة هذا الموضوع. وفي المرحلة الاخيرة، كلفت السيدة نسرين مشموشي مجلس الخدمة المدنية إعداد دراسة لهيكلة شاملة للقطاع العام وسلسلة رتب ورواتب جديدة تنصف العاملين في القطاع العام. وكان من المفترض أن تُبتّ هذه الأمور في الصيف الماضي، إلا أنها تأجلت بفعل جملة من الوقائع والاعتبارات، وآخرها الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان".

ويضيف، "ناشدنا من خلال الاتصالات الوزراء المعنيين في الحكومة الحالية، ونحن في انتظار نيل الحكومة الثقة حتى نكثف هذه الاتصالات باتجاه حلول. وأريد أن أوضح أمرا في هذا المجال، حتى لا يتبين أنني أعد بتقديم وعود غير واقعية. ينبغي أن نراعي الأوضاع الاقتصادية الراهنة والواقع المالي للدولة، وبالتالي يستوجب أن تتلاءم جميع الزيادات التي تعطى مع الواقع المالي للدولة حتى لا تأتي النتائج سلبية. وأؤكد أن الانتعاش المرتقب سيساعدنا كثيرا في تحقيق الأهداف التي رسمناها لأنفسنا، وبالتالي تكبير حجم اقتصادنا وتطويره، وإيقاف هجرة الشباب، والتخفيف من البطالة".

التوازن بين الأجور والضرائب "ضروري"!

ويقول: "بعد مضاعفة الرسوم عشرات المرات وصولاً إلى الرسوم البلدية والضرائب التي تُستوفى في وزارة المالية على أساس دولار 89,500 ل.ل.، لا بد من أن يكون هناك تناغم بين الرواتب والضرائب التي تُفرض، بما في ذلك فواتير الكهرباء والماء التي زادت عدة مرات، وفي جوانب أخرى بلغت المضاعفة 20 و30 ضعفاً".

ويشدد "نحن أمام تطور مهم يتمثل بإعادة تكوين السلطة التنفيذية، وقد نكون أمام نمو اقتصادي يمهد ويسهل علينا مهمة رفع الحد الأدنى للأجور والغلاء المعيشي في القطاعين العام والخاص. من المهم الإشارة إلى أننا نسعى إلى تحقيق ذلك اليوم، إلا أن لدينا واقعاً مهماً جداً يتعلق بإعادة تكوين التعويضات لأولئك الذين تركوا أعمالهم في القطاعين العام والخاص منذ العام 2019 وحتى اليوم، وتقاضوا تعويضات نهاية خدمة لا توازي شيئاً، بل أصبحت تقاس "بالملاليم". في المقابل، هناك من حصل على 40 و50 دولاراً و200 و500 دولار، في حين كان متوسط التعويضات 30 ألف دولار في 2019 في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للقطاع الخاص، وكان يتراوح تقريباً بين 40 و45 ألف دولار سنويا".

لذلك، فإن إعادة تقييم تعويضات للمتقاعدين الذين تركوا العمل من العام 2019 حتى اليوم يتم دراستها حالياً، وهناك اقتراحات قوانين في مجلس النواب قيد الدراسة قدمتها كتل نيابية معينة، وتمت صياغتها بالتفاهم والتنسيق مع الاتحاد العمالي العام مشيرا الى ان عدة مشاريع قوانين قدمها كل من النائب فيصل كرامي وطوني فرنجية وشربل مسعد. وقد كانت هناك اتصالات ومشاورات وحوارات مع الاتحاد العمالي العام. ويشمل هذا ايضاً المتقاعدين العسكريين من جميع الفئات العسكرية، وتم التنسيق حينذاك مع قيادة الجيش للوصول إلى نتائج مرضية تنصف العسكريين".

ويشرح ان "الزيادات التي تستجد وتُطبق في حينها تنعكس إيجاباً على تعويضات نهاية الخدمة في القطاعين العام والخاص لمن لا يزال في الخدمة اليوم. وعندنا جملة مسائل ندرسها ونتابعها، في طليعتها رفع الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، ودراسة وتقييم التعويضات التي أُعطيت لمن فُصلوا من الخدمة من 2019 حتى اليوم، وتحسين واقع التعويضات لمن سيترك عمله بعد هذا التاريخ. إضافة إلى ذلك، ما يُطرح بخصوص تطبيق قانون التقاعد والحماية الاجتماعية الذي أُقر في آخر شهر من العام 2023، وهو يحول التعويضات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى معاشات تقاعدية مدى الحياة للمضمون ولخلفائه من بعده".

ويختتم حديثه بالتنويه إلى العمالة الأجنبية، وفي مقدمتها الندية السورية، وإعادة المواطنين غير المستوفين للشروط القانونية الذين يمارسون نوعاً من المضاربة على حساب العامل اللبناني. وهنا أقول إن جميع اليد العاملة العربية أو الأجنبية من المفترض أن تخضع للقوانين اللبنانية حتى نخفف من المناكفات. علماً أننا نتطلع إلى اليد العاملة الأجنبية كيد عاملة مساعدة، ولا ننظر إليها نظرة عنصرية، إنما لحماية اليد العاملة اللبنانية من المنافسة. نتأمل مع الحكومة الجديدة بعد نيلها الثقة أن نتمكن من العمل مع جميع الوزراء لتحقيق هذه المطالب للطبقة العمالية اللبنانية".

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني