"العشائر" تستنجد بالجيش
"العشائر" تستنجد بالجيش

أخبار البلد - Wednesday, February 12, 2025 6:12:00 AM

نجم الهاشم - نداء الوطن

بدأ "حزب الله" مسيرته العسكرية والأمنية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف عام 1982، وبعد وصول الدفعة الأولى من الحرس الثوري الإيراني عبر سوريا إلى البقاع والبدء بتدريب مجموعات أعلنت ولاءها للثورة الإسلامية في إيران، بعد ثلاثة أعوام على عودة الإمام الخميني إلى طهران وتأسيس الجمهورية الإسلامية القائمة على تطبيق نظرية ولاية الفقيه ابتداء من 12 شباط 1979 تاريخ سقوط حكومة شهبور بختيار. بعد 43 عاماً ربما حان الوقت ليعود الحرس الثوري إلى إيران.

 

بدأت مسيرة "الحزب" أيضاً عندما شكّلت مجموعات قليلة العدد ما سُمِّي "الخمينيون" للقتال في منطقة خلدة إلى جانب فصائل أخرى لوقف تقدم الجيش الإسرائيلي نحو بيروت. وكان هؤلاء من مقاتلين شيعة من تنظيمات مختلفة خصوصاً من "حركة أمل".

 

إلا أن الإشارة الأساسية لبدء عمل "حزب الله" ولتوجهاته الإستراتيجية كانت في إقامة معسكرات التدريب الأولى في عدة أماكن في سلسلة جبال لبنان الشرقية. كانت الحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا وعلاقة النظام السوري بالنظام الإيراني العنصر الأكثر مساعدة وتسهيلاً لبدء عمل "الحزب" الذي لم يكن قد أعلن عن نفسه بعد.

 

 

البداية من ثكنة الشيخ عبدالله

لكي ينتقل "الحزب" إلى العمل الداخلي كان عليه أن يبدأ من إزالة نفوذ القوى العسكرية الشرعية. ولذلك كان أول ما قام به السيطرة على ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني في بعلبك وطرد الجيش من المنطقة، والبدء بسلسلة عمليات اغتيال طالت عدداً من الضباط.

 

اليوم بعد 43 عاماً على مجيء الوحدات الأولى من الحرس الثوري الإيراني وبعد احتلال ثكنة الشيخ عبدالله يبدو أن "الحزب" والعشائر التي تكوّن قواته الأساسية باتت بحاجة إلى حماية الجيش اللبناني. ولكن الأمر يحتاج إلى مراجعة تاريخية وأساسية يجريها "الحزب" لكل مساره ومسيرته ولعلاقته مع إيران والمهمة التي وُجد من أجلها. بحيث لا يمكن أن يكون الجيش بمثابة قوة حماية لـ "الحزب"، لا عند الحدود الجنوبية مع اقتراب موعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في 18 شباط، ولا في جرود بعلبك والهرمل حيث اندلعت الاشتباكات أكثر من مرة بعد سقوط النظام السوري، بين جيش "هيئة تحرير الشام" وبين مسلحين من "العشائر" الشيعية التي تعيش على جانبي الحدود بين لبنان وسوريا.

 

قيل إن الاشتباكات التي دارت هناك كانت بسبب عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية. ولكن المسألة تبدو أبعد من ذلك وتتصل بموضوع تطبيق القرار 1701 والقرار 1680 وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وضبطها بعدما استمرت من دون ضوابط منذ استقلال لبنان.

 

 

حدود الدولتين وحدود اللعبة

من الأساس لم يعترف أي نظام سوري بوجود حدود رسمية مع لبنان. هذه الحدود كانت فالتة في الاتجاهين. الأنظمة التي تتابعت على السلطة في سوريا سهّلت عبور المسلحين والسلاح إلى لبنان في مرحلة أحداث 1958، وأمّنت انتقال المسلحين الفلسطينيين من الأردن بعد أحداث أيلول 1970 تمهيداً لتفجير الحرب في لبنان، قبل أن يستبيح جيش نظام الأسد الحدود ويلغيها أمنياً وعسكرياً وسياسياً تطبيقاً لشعار كرّره حافظ الأسد "شعب واحد في دولتين".

 

صحيح أن جيش النظام السوري انسحب من لبنان في نيسان 2005 ولكن الحدود ظلّت فالتة. وصحيح أيضاً أنّ هذه الحدود كانت في ما مضى فالتة في الاتجاهين. أكثر من مرة تمّ التحضير لمحاولات انقلاب في سوريا انطلاقاً من لبنان. في محاولة انقلاب فاشلة عام 1956 مثلاً تمّ إرسال أسلحة من لبنان إلى سوريا عبر معابر البقاع الشمالي ووادي خالد وراشيا، وانكشفت المحاولة عند تعرّض شاحنة تنقل أسلحة لحادث سير. وعبر هذه الحدود حاول الموساد الإسرائيلي استعادة جثة عميله في سوريا إيلي كوهين بعد شهر واحد على إعدامه في أيار 1965 ولكنّ المحاولة فشلت أيضاً. ولكنّ الثابت أنّ أنظمة الحكم السوري استخدمت الحدود للضغط على لبنان وكانت تقفلها عندما تريد وتفتحها عندما تريد. والمفارقة اليوم أن سوريا التي كانت تعتبر متنفساً للبنان وممرّاً له نحو العالم العربي برّاً، باتت تتنفّس منذ أعوام من خلال لبنان حيث استمرت عمليات التهريب لتخطّي العقوبات المفروضة عليها.

 

 

كما في الجنوب كذلك في البقاع

لا يمكن استبعاد ما يحصل في البقاع عما يحصل في الجنوب لجهة تأمين إمساك الجيش اللبناني بالأمن على كامل الحدود، من الناقورة حتى العريضة في عكار، تطبيقاً للقرار 1701 ومندرجاته. إنّ مناشدة العشائر في البقاع للجيش اللبناني لتولّي هذه المسؤولية تعبّر عن العودة من مرحلة بدأت عام 1982 والعبور إلى مرحلة جديدة تكون فيها الدولة هي الأساس. فـ "حزب الله" لا يمكن أن يكون خارج هذا الإطار. وكما يُحكى عن الأهالي في الجنوب، يُحكى عن العشائر في البقاع. وكل ذلك داخل بيئة "الحزب". استعاد الجيش ثكنة الشيخ عبدالله ولكنّه لم يضبط الحدود. صحيح أنّه أقام عدداً من الأبراج للمراقبة ولكن المطلوب اليوم إقامة الأبراج من الجنوب حتى البقاع وعكار.

 

يبدو أن "حزب الله" بدأ العدّ العكسي لمرحلة العودة من كل ما راكمه منذ مجيء الحرس الثوري إلى لبنان عام 1982. وهو عدّ عكسي أيضاً لاستعادة السيادة اللبنانية ولاستكمال تطبيق القرار 1701 ومندرجات اتفاق وقف النار ونزع سلاح "الحزب" وترسانته العسكرية. وليس من قبيل الصدف أن تشنّ إسرائيل غارات على مواقع لـ "الحزب" في السلسلة الشرقية احتوت على وسائل قتالية ومنصات صاروخية وتستهدف نفقاً تحت الأرض بين لبنان وسوريا ومعابر كان لا يزال "الحزب" يستخدمها لتهريب الأسلحة.

 

 

آن الأوان لتخرج إيران من لبنان

قد يكون "الحزب" يهدف إلى أن يكون تسلم الجيش للأمن والسلطة صورياً بحيث يتحوّل إلى قوّة تحمي بقاءه، لا إلى قوة تزيل ترسانته. وهو من خلال بقائه خارج الصورة في البقاع يسعى للعودة إلى الشريط الحدودي في الجنوب تحت حماية الجيش ولكن أيضاً تحت المراقبة الإسرائيلية والدولية بحيث سيكون من الصعب كثيراً عليه التفلّت من الانصياع لمندرجات اتفاق وقف النار. ذلك أنّه لم يعد بإمكانه الاستفادة من الحدود مع سوريا، وبات من مصلحته أن يتمّ ضبطها وترسيمها. فمسؤولية حماية الشيعة، وغيرهم في البقاع وغير البقاع، من مهمة الدولة والجيش اللبناني. وأهالي القرى على جانبي الحدود يدفعون ثمن تدخل "الحزب" في سوريا. و"الحزب" الذي زرع الريح يحصد العاصفة. وإذا كان أبناء القرى داخل سوريا شيعة لبنانيين، وإذا كانوا يملكون الأراضي والمنازل، فإنّهم يخضعون للقانون الذي يطبّق على اللبنانيين بين دولتين مستقلتين. وإذا كانوا سوريين تطبق عليهم القوانين السورية. ووضع البلدات هناك يكون شبيهاً بوضع مزارع شبعا التي اتخذ منها "حزب الله" حجّة لكي يحتفظ بسلاحه.

 

لقد انتهت المرحلة التي كان "الحزب" يعتبر فيها أنّ لبنان، وليس الحدود مع سوريا فقط، مشاع له. منذ العام 2011 تصرّف "الحزب" مع إيران وكأنّ نظام الأسد في سوريا تابع لهما ومشاع أيضاً، وتصرّف النظام على خلفية أنّ إيران و"الحزب" تابعان له. انتهت اللعبة بانتهاء النظام وبالضربة القاتلة التي تلقّاها "الحزب" في لبنان. وبالتالي المطلوب اليوم أن يعود الحرس الثوري إلى إيران بعد 43 عاماً على زيارته الأولى، وأن تتم تصفية التركة الإيرانية في لبنان بالكامل كما تمت تصفيتها في سوريا، وأن تعترف إيران و"حزب الله" أن لبنان دولة كاملة السيادة ووحدها تحمي الجميع وتضمن الحدود والأمن، وليس مجرد منطقة أو ساحة أو ملعب أو مشاع.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني