الشاعر هنري زغيب
غدًا مساءً تحُطُّ طائرة الرئيس الفرنسي على أَرض لبنان في زيارتِهِ الثانيةِ وطنَ الأَرز.
في زيارته الأُولى، قبل أَيام، انتقَلَ من المطار مباشرةً إِلى حيثُ بيروتُ المنكوبة.
غدًا، في زيارته الثانية، سينتقل من المطار مباشرةً إِلى حيث بيروتُ الموهوبة.
سينتقل مباشرةً إِلى بيت فيروز.
ويكون أَنه مأْخوذٌ بصوتها منذ وِقْفتِها الـمَلَكيَّة على مسرح الأُولِـمـپـيا أَو مسرح بيرسي.
ويكون أَنْ يومَها تَرجمَ له أَحدٌ رائعتَها الرحبانيةَ تُناجي عاصمة بلاده بحنانٍ وحنين:
"باريس يا زهرة الحريه...
يا دهَب التاريخ يا باريس...
لبنان باعتْلِكْ بقلبي
سَلام ومحبِّه
وبيقلِّك لبنان:
رح نرجع ونتلاقى
عَ الشِعر وْ عَ الصداقه
عَ الحق وكرامة الإِنسان".
ولا بد أَنَّ ذاك الشاب إِمانويل أَصغى يومها بكل حب إِلى التتِمَّة:
"يا فرنسا:
شو بْقِلُّن لأَهلِك عن وطني الجريح؟
عن وطني اللي مْتَوَّج بالخطر وبالريح؟
قصتْنا من أَول الزمان:
بْيِتْجَرَّح لبنان
بْيِتْهَدَّم لبنان
بيقولوا مات وما بيموت
وبيرجَع مْنِ حْجارو يْعَلِّي بيوت
وتِتْزَيَّن صور وصيدا وبيروت".
ويكون أَنْ قال له أَحدٌ، قبل هذه الزيارة غدًا، إِنَّ فيروز غنَّت لبنان كما لم يُغَنِّه صوتٌ بَعد، وإِنها لم تَبْكِ يومًا بيروتَ هامدةً بلا روح، بل نهضَ بها صوتُها حيَّةً أَبدًا بإِرثٍ تاريخي ساطع رسَمَه عاصي ومنصور بأَجمل الكلمات وأَعذب الأَلحان.
غدًا مساءً، في بيت فيروز، سيُحني ماكرون قلبَه تأَثُّرًا لعبقرية هذا الصوت المفرَد المصقول بعبقرية عاصي ومنصور، مَن كان صوتُها لهما مُلْهِمًا وإِلهامًا واستلهامًا، فكَتَبَا لصوتها أَجملَ ما في الكلمات والميلوديا من ولَهٍ إِبداعيّ وشغَفٍ بالعطاء النقي لِمـجد لبنان فتلاقى النبعُ والمصدر، وشَعَّ منهما على العالم خلودُ لبنان اللبناني.
وقد يكون مطَّلِعٌ شرَحَ له أَنَّ هذا البيت حجَّ إِليه كبارُ المبدعين واستقبَلهم عاصي وفيروز بِرَحابة لبنان الجمال الغالي والفن النقي العالي.
وسوف يتابع العالم أَنَّ فيروز هي الحدَث في هذه الزيارة الرئاسية، فيروز التي، منذ ثلاثة أَرباع القرن، كانت في كل صَدْحةٍ منها تَنحتُ الحدَث في ذاكرة لبنان والعالم.
وسيشعر الرئيس ماكرون بأَنَّ زيارتَه الثانيةَ لبنانَ اتَّشحَت بدفْءٍ لبناني صادق، عكسَ بُرودةٍ خرج بها من زيارته الأُولى ويتهيَّأُ ليَخرج بالبرودة ذاتها هذه المرة أَيضًا، وسيعرف أَنَّ في جـوِّ هذا البيت، بيت فيروز وعاصي، صدْقًا حقيقيًّا لم يَـجدْه في ثعلبات الجو السياسي إِبَّان بضعِ ساعاتِ زيارته الماضية ويَشعر أَنْ سيواجه تلك الثعلبة السياسية ذاتها في لقاءات اليومين المقبلَين.
غدًا مساءً، سيَخرج ماكرون من بيت فيروز ممتلئًا عنفوانًا لبنانيًّا، وسيحمِل معه، من صوتها ومهابة شخصيتها، قيَمًا خالدةً من إِرث لبنان. وفيما يزرعُ بعد يومين أَرزةً مباركةً على تلةٍ من جاج، سيُدرك بعد اليوم أَنَّ الأَرزةَ على عَلَم لبنان ليسَت مجرَّد شِعار بل هي وديعةُ أَعمار.
وحين يعود إِلى الإِليزيه، حيث تنتظرُه حبيبتُه التي كَسَر جميعَ قواعد الأَعمار وتزوَّجها على اسم الحب، سيُعانقُها بشوقٍ ويهمِس لها: "بريجيت، يا حبيبتي أَنتِ، في هذه الزيارة الثانية عرفتُ سرَّ القوة في لبنان الحقيقي، وفهمتُ كيف أَنه مُتَأَصِّلٌ في الخلود، كما جذورُ أَرزه التاريخية، وكما غنَّاه صوتُ فيروز".
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا