النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

من الطرائف التي رواها لي طبيب صديق، أن شخصاً حاول أن يستعيد حياته العادية، بعد خروجه من أزمة صحية خطيرة، لكن زوجته اشترطت عليه الحصول على تقرير طبي مفصّل يؤكد سلامته وإبلاله من المرض، فلمّا طلب من طبيبه ذلك التقرير، وبعد الكشف الدقيق عليه، كتب:
إلى السيدة فلانة زوجة السيد فلان، أفيد انه يتمتع بصحة ممتازة ويستطيع أن يمارس حياته العادية كما في السابق.
هنا تدخّل الزوج وقال للطبيب أرجوك أن تكتب بدلاً من إلى السيدة فلانة عبارة: إلى من يهمه الأمر.

وبمناسبة الأمراض التي تفتك بنا بدءاً بالانهيار الاقتصادي والأزمة السياسية المستفحلة وتبخّر الودائع، والجوع المنتشر كالكورونا، وانفجار العاصمة، وبلادة الساسة والسياسيين، وحالة الإنكار المَرَضية، وتعميم الظلام، وإسقاط هيبة العدالة، وإقناع الذوات أنفسهم أنهم محبوبون ومرغوبون ومناضلون ويتعرضون لحرب كونية، وأنهم قابلون بالعقوبات الدولية، فداء لفلسطين، وادّعاء أن التوازن الاستراتيجي مع قوى الاستكبار قد تمّ انجازه في دولتنا المهيضة، لم أجد لي مفراً من النكوص إلى الطفولة، متأثراً بعدوى الإنكار، متسلّحاً ببراءة الصغار، فعادت بي الذاكرة إلى الصف الخامس الابتدائي حيث حفظنا أبياتاً عن معاناة مضيف أثقل عليه ضيفه فأخرجه عن لياقات وعادات العرب وطلب منه أن ينصرف، وأظن أن تلك المقطوعة الشعرية ما كانت لتطفو على وعيي بهذا الإلحاح لولا إحساسي أنّ الأضياف الذين حلّوا على حُكم دولتنا البائسة وأطالوا مكوثهم لم يحسوا حتى الآن بضرورة الرحيل، فارتأيت أن أتلوها مجدداً على شكل رسالة، وأن أتملّص في الوقت عينه من تحديد المرسَل إليه، فاستعير من الزوج الحاذق الذي حدّثتكم عنه، مهارته في التمويه، لأقول إنّ ما سأحكيه الآن موجّه، إلى من يهمّه الأمر، على أمل أن نجد منهم من يتمتع بالفطنة الكافية التي تنبّهه إلى ثقل جبلَّته وتفاقم إقامته وعظم سماجته، وفداحة أضراره، فيحس بنعرة المسلة تحت إبطه.

القصة تقول إنّ أعرابياً حل ضيفاً على أحدهم، فأهداه حَمَلاً عربون الصداقة، ولكنه أطال المكوث وعاث فساداً، وأثقل على العائلة فطفح الكيل بالمضيف وقال له :
يا مثقلاً اهـدى حَمـلْ
خذ وانصرف ألفيْ جمل
قـال ومـا أوقارهـا
قلـت زبيـب وعسـل
قـال ومـن يقـودهـا
قلت لـه ألفـا رجـل
قـال ومـن يسوقهـا
قلـت لـه ألفـا بطـل
قـال ومـا لباسـهـم
قلـت حلـي وحـلـل
قـال ومـا سلاحهـم
قلـت حديد وأسـل
قـال عبيـد لــي اذا ؟
قلت نعـم ثـم خـول
قـال بهـذا فاكتـبـوا
إذن عليكـم لي سجـل
قلت لـه ألفـي سجـل
فاضمن لنا ان ترتحـل
قال وقـد أضجرتكـم
قلت أجـل ثـم أجـل
قـال وقـد أبرمتـكـم
قلت لـه الامـر جلـل
قـال وقـد اثقلتـكـم
قلـت له فـوق الثـقـل
قـال فإنـي راحــل
قلت العَجَل ثم العَجَل
ياجبـلا مـن جـبـل
في جبـل فـوق جبـل.