كتبت غادة حلاوي في “المدن”:
لم يخالف الرئيس المكلف التوقعات، ويعلن عن تشكيلة حكومته. زيارته إلى بعبدا وإن أوحت بقرب الفرج بالاتفاق على التشكيلة، فإن ما أفصح عنه من فلتات كلماته المقصودة بين سطور خطابه المكتوب شكل دليلاً على أن الزيارة لم تكن بقصد الاتفاق بل وضع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بما لديه من معطيات حكومية وعرض تصوره الأولي للحكومة. خمسون دقيقة انتهت إلى عدم الاتفاق بعدما تمنى رئيس الجمهورية على سلام استبدال بعض الحقائب بأخرى فاستمهل سلام لمراجعة المعنيين بشأنها. ليتبين لاحقاً أن أكثر من ملاحظة تعتري التشكيلة وأن سلام انصرف إلى إعداد حكومة منقحة لن يخلو من مفاجأت.
بعبدا التي باتت مستاءة من التأخير في تشكيل الحكومة لم يرق لها بالتأكيد ما قاله سلام الذي انقلب على اتفاقه مع الثنائي برفض مشاركة الحزبيين غامزا بذلك من قناة تسمية ياسين جابر الذي خرج عن صمته يقول أمس بصريح العبارة “لست حزبياً ولم أكن”.
وكعادته في كل لقاء لا يفوت الرئيس المكلف فرصة التأكيد على الدستور وما ينص عليه بشأن تشكيل الحكومة ليخلص إلى القول منه أن هذا الدستور لم يفرض عليه اختيار المحازبين ولا حصر الحقائب بطوائف. ورغم ذلك لم يفت مصادر بعبدا القريبة التأكيد أن لا خلافات بل هي مسألة استكمال المشاورات على أمل أن تعلن التشكيلة في ظرف يوم أو يومين. لكن التفاؤل الذي تحرص عليه بعبدا والرئيس المكلف تجده تشكيكاً في أماكن أخرى.
إلى بعبدا حمل سلام مآخذه وتحفظاته، وعاد إلى مربع النقاش الأول حول التسميات وملائمتها مع الحقائب وتوزيع هذه الحقائب بين القوى السياسية. في التشكيلة المسودة برزت الحصة الوازنة للقوات اللبنانية التي أسندت لها حقائب الخارجية والطاقة والاتصالات والصناعة مقابل استبعاد التيار الوطني الحر. علماً أن أجواء لقاءات سلام المتكررة مع رئيس التيار جبران باسيل كانت إيجابية بالمطلق، اللهم إلا إذا صدقت المعلومات المنتشرة أن استبعاد باسيل جاء بقرار دولي.
فبعد ساعات على زيارته بعبدا بدأت تتكشف معطيات وصفتها مصادر سياسية بـ”الخطيرة “، أظهرت وجود ضغوط مورست على الرئيس المكلف لرفض تمثيل حزب الله في الحكومة والتراجع عن القبول باسناد حقيبة المالية للوزير السابق ياسين جابر. ويأتي هذا الكلام في وقت سرت معلومات تقول إن الأميركيين دخلوا على خط تشكيل الحكومة وطالبوا التمهل بإعلان عنها، شرط أن تكون خالية من أي تمثيل لحزب الله. وبناء عليه فالحكومة لن تبصر النور قريباً.
اعتراض سلام على الثنائي
داخلياً، كرر الرئيس المكلف اعتراضه على بعض التسميات التي اقترحها الثنائي لاعتبارها لا تتناسب والوزارات المسندة اليها، ولم يجد أي فريق سياسي يقبل حصر تمثيله الحكومي بوزارات الاعلام أو المهجرين أو سياحة وإن تبرع باختيار الأسماء لتوليها بالتعاون مع المحيطين به.
ومساء أمس، كشف النقاب عن أن لا اتفاق على الاسم الشيعي الخامس في الحكومة. يتمسك الرئيس المكلف بتسمية علياء مبيض بينما يرفضها الثنائي بالمطلق. وقالت مصادر مقربة إن الأخير يشترط موافقته المسبقة على الاسم، وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري قالها بصريح العبارة أمام زواره في عين التينة، لن أزور قصر بعبدا قبل أن أوافق على الاسم الشيعي المقترح ويجب أن يزورني ويصعد إلى بعبدا بمعيتي. كما فوجئ الثنائي بالتصرف بحقيبة الصناعة وهو ما سمعه بالاعلام.
ولاحقاً، تنبه الفريق الشيعي ان جميع ممثليه (ما عدا ياسين جابر) قد يكونوا عاجزين عن المشاركة في لجنة صياغة البيان الوزاري او مقاربة الاستحقاقات السياسية، وهي ثغرة سيعمل على معالجتها عبر استبدال اسم او اسمين.
بعبدا والمشاورات
عين بعبدا على مشاورات رئيس الحكومة التي ترصدها اكثر من جهة سياسية لا تزال عند رأيها بالقول إن الرئيس المكلف هو من يتولى التشاور بشأن الحكومة، وهناك جهات تضغط عليه لإعلان حكومة أمر واقع بعد عرضها على رئيس الجمهورية وهو ما تخشاه بعبدا التي لم تدل بدلوها النهائي بعبدا. وعن منح الحصة الوازنة للقوات مقابل اقصاء التيار تقول المصادر إن القوات هي الكتلة الأكبر نيابياً وإن اجتماع الرئيس المكلف مع الثنائي والوقوف على مطالبه جعله يرضخ لمطالب الكتل الأخرى.
محاذير كثيرة تحيط بعمل الرئيس المكلف. تحاذر بعبدا من حكومة أمر واقع سيمتنع الرئيس عن توقيعها حكماً، ويرفض الثنائي فرض أي إسم عليه للحقيبة الخامسة. ما يهم القوات أنها خرجت بأربع حقائب سيادية وإن كانت التسميات للمرشحين جاءت من قبل الرئيس المكلف.
في عملية تشكيل الحكومة، وفي دارة الرئيس المكلف، لا تغب عملية احتساب أصوات الثقة من الحسابات. كل من حوله ينصحه بحكومة أمر واقع. قالها بصريح العبارة إنه لن يفوت الفرصة يعني لن يمل ولن يعتذر، بالمقابل صارح اللبنانيين بأنه سيكون على قدر آمالهم بحكومة بلا أحزاب لكأنه مهد لحكومة يشكلها بما يتناسب وتطلعاته ليرمي الكرة في ملعب بعبدا ويبدأ فصل جديد من النقاش القانوني الدستوري. سيناريو مستبعد لكن المؤكد أن هناك معطى ما يفرض التماهي معه في تشكيل الحكومة ويتعلق بتمثيل حزب الله في الحكومة. وقبل أن يزور سلام بعبدا كانت مصادر مطلعة تقول إن إشارات أميركية مبطنة وصلت إلى المشكلين وتقول فرملوا الاستعجال بتشكيل الحكومة وهذا ما يفسر التعقيدات التي كان يمكن حلها وإعلان الحكومة لولا الضغوط الخارجية.