باريس – بشاره غانم البون
ما هي أجواء الرئاسة الفرنسية عشية توجه الرئيس ايمانويل ماكرون الى العاصمة اللبنانية للمرة الثانية بعد انفجار مرفأ بيروت ؟ ماذا عن برنامجه المزدوج : الاحتفالي بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، والسياسي- التنموي المخصص لمتابعة المسعى الفرنسي لدعم لبنان للنهوض مجدداً من أزماته المتعددة والمتراكمة ؟
تبدأ مصادر الرئاسة الفرنسية بوضع زيارة ماكرون في اطار ابراز "مدى الالتزام الفرنسي في ابقاء باب الأمل مفتوحاً لدى اللبنانيين في وقت يشعر الكثيرون منهم بحال من الإحباط وتخلي الخارج عنهم". كما ان باريس ترغب في التأكيد على "ان الرئيس ماكرون ملتزم بالوعد الذي أطلقه في زيارته الأولى، بأنه لن يترك لبنان وحده ولن يتخلى عنه ولن يستسلم امام الصعوبات ".
وتلمح المصادر الى "ان الكلام الذي أشاعه البعض عن نية ماكرون الغاء زبارته لبيروت، بالقول "ربما كان هؤلاء غير راغبين في رؤية الرئيس الفرنسي يمارس الضغوط عليهم للمضي في عملية انقاذ بلدهم غير آبهين بأنه على طريق الغرق والانهيار ".
وتشدد مصادر الإليزيه على "رمزية" المبادرتين اللتين ضمنهما ماكرون برنامجه:
الأولى "خطوة شخصية عاطفية تدل على الاعجاب بهذه الشخصية"، وتتمثل بزيارة تكريمية للسيدة فيروز في منزلها في انطلياس "نظراً لما تمثله في لبنان و في العالم العربي من قيمة وطنية وتاريخية، وايضاً لجميع الفرنسيين الذين إستمعوا اليها في مسرح الأولمبيا وفي قاعة بارسي والاحساس الخاص الذي أحدثته لديهم في الاوقات الصعبة التي مر بها لبنان".
والثانية، زرع شتلة أرز في محمية غابة أرز بلدة جاج في قضاء جبيل نظراً لما يمثله الأرز من "رمز ديمومة لبنان"، وستحيط بالرئيس الفرنسي مجموعة من الأطفال اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق اللبنانية. كما ستحلق في السماء اللبنانية طائرات من سلاح الجو الفرنسي راسمة العلم اللبناني.
برنامج الرئيس ماكرون في شقه السياسي حافل باللقاءات، وأولها مع الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا حيث سيلتقي هناك أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبالنسبة للغذاء الذي يقيمه عون تكريماً لضيفه فقد تمنى ماكرون بان يكون "موسعاً وشاملاً" لمختلف الشرائح اللبنانية.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي لم ينتظر بدء زيارته مساء الاثنين المقبل بل إنه كثف في الساعات الماضية اتصالاته مع الفرقاء اللبنانيين، وفي مقدمهم الرؤساء عون وبري وسعد الحريري. وفي هذا الاطار تشدد المصادر الرئاسية الفرنسية على ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة وان يحظى رئيسها بموافقة سعد الحريري. وشدت على "ان المهم هو البرنامج وليس الاشخاص ويجب عدم ربط نجاح الزيارة بموضوع تشكيل الحكومة".
وبعدما نفت المصادر أن يكون لدى باريس "خطة ب"، شددت على ان الأولوية هي لتشكيل "حكومة مهمات فاعلة "، وحددت مهامها بأربع : "اعادة اعمار بيروت، معالجة الأزمة الصحية من جراء انتشار فيروس كورونا، التصدي العملي للأزمة المالية بالمباشرة بالاصلاحات المطلوبة والاعداد للانتخابات النيابية".
و تشير مصادر الاليزيه الى ان فرنسا مستعدة في المستقبل لاتخاذ اي خطوة من أجل تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين "أكان في بيروت أو في باريس أو أي مكان اخر". ذلك ان الازمة عميقة ومتعددة الجوانب وينبغي معالجتها خطوة خطوة. والمحت الى أن ماكرون شدد امام السياسيين الذين التقاهم في قصر الصنوبر خلال زيارته الأولى، ومن بينهم ممثل حزب الله (محمد رعد)، بان لا احد يربح اذا خسر الاخرون.
وتضيف المصادر إلى أن باريس لا تدعو الى اعاادة النظر في الميثاق الوطني، وهو موضوع حساس بل تسعى لايجاد أفضل الطرق لتطبيق اتفاق الطائف الحالي. وأوضحت المصادر الرئاسية أن العقد الاجتماعي المطلوب يهدف الى اعادة الثقة بين لبنان والمجتمع الدولي، مشيرة الى "ان فرنسا لا ترغب لا في التدخل ولا في املاء أي شيء على لبنان ولا يعود لها امر تشكيل الحكومة بل هي بادرت الى مد يد المساعدة بناء على طلب لبنان وتجاوباً مع رغبة اللبنانيين".
وتعليقاً على الحوادث الاخيرة على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية ترى المصادر ان مجلس الأمن جدد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) و"هذا أمر مهم ونحن نتطلع ان لا يرتكب حزب الله اي عمل من شأنه أن يؤدي الى التصعيد".
وتلمح المصادر الى أن المصرف المركزي الفرنسي يقدم المشورة للمصرف المركزي اللبناني من اجل وضع الاسس الواضحة لتمكين صندوف النقد الدولي من المساهمة في دعم لبنان. وهي تشير الى انه صحيح ان الحاكم رياض سلامة لعب دوراً مهماً في الماضي الا انه جزء من منظومة "استنفدت".
قصر الصنوبر سيشهد هو أيضاً لقاءات سياسية عديدة في مقدمها استقبال ماكرون للبطريرك الماروني بشاره الراعي "نظراً للعلاقات التاريخية الاستثنائية بين فرنسا والكنيسة المارونية"، مع التشديد على "أن فرنسا هي لجميع اللبنانيين". كما سيلتقي ماكرون ثانية ممثلي الفرقاء السياسيين كما فعل في زيارته الأولى.
اما بالنسبة للشق التنموي، فهو يتضمن عدة نشاطات أبرزها زيارة مستشفى بيروت الحكومي بهدف توجيه تحية تقدير لجهود الجسم الطبي والتمريضي المعالج لأزمة فيروس كورونا. كما سيتفقد ماكرون مرفأ بيروت وافراد القوة الفرنسية العاملة هناك وكذلك منطقة الجميزة حيث سيلتقي بعدد من الناشطين في جمعيات المجتمع الأهلي وممثلي المنظمات غير الحكومية التي تشرف على توزيع المساعدات للمتضررين.
في المحصلة ترى ألاوساط الفرنسية المتابعة للملف اللبناني في باريس أن المفاعيل الأولى لزيارة ماكرون الثانية ربما بدأت قبل اتمامها، مع التأكيد بأن الاهتمام والضغط مستمرين بعد الزيارة داخلياً وخارجياً ايماناً من فرنسا بان هناك مستقبل للبنان والتزاماً بوعد ماكرون، خصوصاً وان الأخير يعتبر- في دلالة على أهمية حجم لبنان وقيمته -
بأن"لبنان الكبير هو بلد أكبر من نفسه"
“ Le Grand Liban est plus grand que lui-même”