بلومبرغ
عند انطلاق فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي العريق، كان الاعتقاد السائد أنه سيكون المكان المثالي لإبرام العديد من الصفقات الكبرى التي يتم التحضير لها بين المصارف الأوروبية.
من بين تلك الصفقات، هناك عرض الاستحواذ الذي قدمه "بي بي في إيه" (BBVA) لمنافسه الأصغر "بانكو دي ساباديل" (Banco de Sabadell SA)، بالإضافة إلى سعي "أوني كريديت" (UniCredit SpA) للاستحواذ على منافسه المحلي "بانكو بي بي إم" (Banco BPM SpA) واهتمامه المتزايد بـ"كومرتس بنك" (Commerzbank AG) في ألمانيا.
على مدى أشهر، واجهت هذه الصفقات الثلاث عقبات كبيرة من الأطراف المستهدفة أو من أصحاب المصالح الآخرين، بما في ذلك الحكومات. وكان الأمل معقوداً على دافوس، المعروف بقدرته على جمع الرؤساء التنفيذيين في مكان واحد لتسوية الخلافات، أن يسهم في تحقيق تقدم ملموس على هذا الصعيد.
تصعيد اللهجة في دافوس
لكن الأمور سارت عكس التوقعات. فالرئيسة التنفيذية لـ"كومرتس بنك"، بيتينا أورلوب، صعدت من لهجتها ضد "أوني كريديت"، واصفةً عروض المصرف الأخيرة بأنها "عدائية"، لتعزز بشكل لا لبس فيه تصديها للصفقة غير المرغوبة. وتبنت الحكومة الألمانية، التي لا تزال تمتلك حصة بنسبة 12% في المصرف، نفس الموقف. كما أعلن "ساباديل" أنه يدرس نقل مقره القانوني مجدداً إلى كاتالونيا، في محاولة لحشد الدعم السياسي لمواجهة عرض الاستحواذ من "بي بي في إيه".
وجاء إعلان مفاجئ يوم الجمعة، حيث أفصح "بانكا مونتي دي باشي دي سيينا" (Banca Monte dei Paschi di Siena Spa) عن خططه للاستحواذ على منافسه الأكبر "ميديوبانكا" (Mediobanca SpA). ومع ذلك، اعتبر "ميديوبانكا" العرض المقدم من أقدم مصرف في العالم بأنه عدائي، ومن المتوقع أن يتم رفضه، وفقاً لما ذكرته "بلومبرغ" هذا الأسبوع.
تحديات دمج المصارف الأوروبية
كل هذا يؤكد حقيقة مفادها أنه حتى بعد أعوام من الانتظار، لا تزال البنوك الأوروبية وحكوماتها تُظهر مقاومة واضحة تجاه تسريع وتيرة عمليات الاندماج.
هذا الموقف يتناقض مع الدعوات المتزايدة من الجهات التنظيمية وصناع الصفقات والحكومات لاتخاذ خطوات أكثر جرأة نحو دمج المصارف، بهدف إنشاء مؤسسات ضخمة قادرة على توفير التمويل اللازم للنمو الذي تحتاجه أوروبا.
وفي هذا السياق، صرح هوبرت كيلر، الشريك الإداري الأول في المصرف السويسري الخاص "لومبارد أودييه" (Lombard Odier)، قائلاً: "على أوروبا أن تتخذ قراراً حاسماً: هل ترغب في بنوك تعمل كخدمة عامة أم كقوة رأسمالية؟".
تحركات مثيرة للمديرين التنفيذيين
قبل ساعات قليلة من التصريح المفاجئ الذي أدلت به أورلوب من "كومرتس بنك"، يوم الأربعاء، شوهدت وهي تتجول في الشوارع الجليدية للمدينة الأعلى في أوروبا، وتتناول الغداء في مطعم صغير برفقة رئيس قسم الاتصالات بالبنك.
في الجهة المقابلة، أوضح أندريا أورسيل، من "يوني كريديت"، أن هناك اجتماعات عديدة جرت مع الحكومة الألمانية ومسؤولي "كومرتس بنك" قبل أن يستحوذ مصرفه على حوالي 28% من أسهم "كومرتس بنك".
وفي مقابلة مع مذيعة تلفزيون "بلومبرغ" فرانسين لاكوا، قال أورسيل إن "كومرتس بنك كان أول من اتصلنا به صباحاً لتقديم ملخص" بعد أن استحوذ المقرض الإيطالي على حصة كبيرة العام الماضي. وأضاف: "من هناك، تحول الأمر إلى مفاجأة. حسناً، تخيلوا مفاجأتنا. ثم تحول إلى عدائية أو إلى غموض".
شوهد رئيس مجلس إدارة "بي بي في إيه"، كارلوس توريس، وهو يركض على الشارع الرئيسي في دافوس. وعلى بُعد مئات الأميال، أعلن "ساباديل" أن مجلس إدارته سيعقد اجتماعاته لمناقشة احتمال نقل مقره الرئيسي، بهدف تعزيز موقفه السياسي لمواجهة عرض الاستحواذ العدائي.
آفاق المصارف الأوروبية
خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، واجهت آنا بوتين، رئيسة مجلس إدارة "بانكو سانتاندير" (Banco Santander SA)، أسئلة متعددة حول ما إذا كانت ستفكر في بيع أعمال البنك في المملكة المتحدة. يأتي ذلك وسط تراكم المشكلات هناك، حيث يستعد البنك لمراجعة مكلفة محتملة تتعلق بأعماله في تمويل السيارات.
وردت بوتين قائلة: "نحن نحب المملكة المتحدة. إنها سوق أساسية وستبقى كذلك بالنسبة لسانتاندير. هذا كل شيء".
جاءت مقاومة البنوك لإبرام الصفقات حتى مع تزايد الدعم من الجهات التنظيمية لعمليات الاندماج المصرفي عبر الحدود في جميع أنحاء أوروبا. وقد صرحت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن مثل هذه الصفقات ستفيد المنطقة إذا سمحت للمقرضين بالتنافس بشكل أفضل مع نظرائهم في الولايات المتحدة والصين.
وفي هذا السياق، قال لوكا بوكا، المدير المالي لـ"إنتيزا سان باولو" (Intesa Sanpaolo SpA): "ما هو جيد أننا حددنا المشكلة، وهي التنافسية الأوروبية". لكنه أشار إلى أن تنفيذ الصفقات عبر الحدود سيظل أمراً معقداً، مشدداً على ضرورة "وجود مرونة تأخذ في الاعتبار الاختلافات الهيكلية الإقليمية".