لبنان فينيسيا
لبنان فينيسيا

رأي منير- تعليق على الأحداث مع منير الحافي - Thursday, January 23, 2025 1:26:00 PM

الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب:
@mounirhafi
X, Facebook, Instagram
 
العالم، مثلُ الوقت، يذهب في اتجاه واحد نحو الأمام، إلا لبنان. العالم يطمح بالانتقال إلى المستقبل إلا نحن، نحلم بأن يعود بنا الوقت.. إلى الوراء. سبب هذا الكلام معروف عند كثير من المستمعين الذين عايشوا لبنان قبل الحرب الأهلية في العام ١٩٧٥ أو سمعوا عنه من ذويهم. 
في الأسبوع الماضي، حصل أن زرت مع صديق لي فندق الفينيسيا الواقع في ميناء الحصن، عند الواجهة البحرية لبيروت. الفينيسيا والسان جورج مروراً بالريفييرا عند شاطئ المنارة وغيرها، كانت تشكل أيام العزّ «ريفييرا لبنان». جلسنا في الفندق العريق مع المديرة التنفيذية للمؤسسة السياحية نحكي عن تاريخ الفينيسيا وتاريخ بيروت وتاريخ لبنان. سألت السيدة عن صور المشاهير الذين مروا علـى هذا المعلم الأساسي من تاريخ بيروت الحديث. إتصلت بشخص فأتى بنسختين من مجلّد أبيض ضخم، يحتوي على تاريخ إنشاء الفندق، والتحديات التي واجهت المهندسين الذين صمموا ونفذوا إنشاء الفندق. كما حوت صفحات الكتاب الأربعمئة وثلاثون من الحجم الكبير، صور الشخصيات العظيمة التي مرت على الفندق منذ افتتاحه في العام ١٩٦٢. ملوك وأمراء ورؤساء وممثلون ومغنون واقتصاديون ورجال أعمال ومشاهير من العالم أجمع. كلهم مروا على لبنان وبيروت.. وفينيسيا. 
فينيسيا الذي بناه رجل الأعمال الرؤيوي نجيب صالحة وصممه المهندس المعماري الأميركي الشهير أدوارد دوريل ستون بالتعاون مع المهندس الأميركي أيضاً جوزيف ساليرنو والمهندسين اللبنانيين فردينان داغر ورودولف إلياس. فينيسا، الذي تم تصوير الكثير من الأفلام العالمية والعربية والمحلية في أروقته وصالاته وغرفه. أنا لا أعمل دعاية هنا للفندق فهو لا يحتاج! أنا أتحدث عن مكان يختصر تاريخاً مميزاً لمدينتنا الجميلة وساحلها الذهبي. 
بيروت الذهبية بناسها، وفنادقها، وساحلها ومياهها وطقسها وشوارعها. كانت بيروت هكذا، عاصمةً ذهبية لهذا البلد الذهبي. صارت حرب لبنان أو الحرب على لبنان في العام ١٩٧٥ ، فذهب الذهبُ وتم استبداله بالرصاص. 
في الكتاب إياه، تشاهد الفندق خلال الحرب وقد حلّ المسلحون محل الرواد وحلّ الخراب محلّ العمار. هكذا حصل لفينيسا ومنطقة الفنادق المحيطة. وها هو فندق الهوليداي إن الذي ما زال على حاله من الخراب، شاهد على قسوة ومرارة ما حصل لوسط بيروت. أقفلت الحرب الأهلية فينيسيا. لكن إرادة الحياة أعادت ترميمه وبناءه في العام ألفين. ثم أقفل بعيد تفجير مرفأ بيروت عام ٢٠٢٠، بسبب تضرره الشديد، فأعيد بناؤه وافتتاحه من جديد في العام ٢٠٢٢. 
اللبنانيون، أيها الأصدقاء، يتوقون إلى أن يذهبوا في الوقت إلى.. الماضي. عجيب أمر هذا البلد، بدلاً من الأمل بالغد، نتأمل بالماضي. يومها كان كل شيء أجمل. الطرقات أنظف من اليوم. الأبينة أكثر أناقة. الدولة أقل فساداً. السياسيون أقل إفساداً. التجار أقلّ جشعاً. الحرام أقل. الحلال أكثر. الثقافة والفنّ الراقي والأناقة في كل مكان. ماذا حلّ بنا؟ ماذا حلّ بلبنان؟ 
هل من الممكن أن نعيش مجدداً في حالة طيبة مثلما كان لبنان قبل الحرب الأهلية؟ هل من الممكن والمسموح لنا أن نبني دولة؟ هل سيستطيع العهد السياسي الجديد أن يعيد أمجاد بلدنا؟ هل سنعود نحن كما كان آباؤنا وأجدادنا، لنعيش في وطن ودولة، نظيفة على كل الصعد، آمنة، مستقلة، مستقرة، محررّة؟ هل وهل وهل. أسئلة نتركها للآتي من الأيام وربما السنوات. الأمل بالله موجود دائماً. ينقصنا الإرادة والعمل. لكني شخصياً أتمنى أن يعود لبنان يوماً كما رأيته في كتاب فينيسيا الذي تمّ إصداره في العام ٢٠١٢ لمناسبة ذكرى خمسين عاماً على إنشاء الفندق.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني